كل القتل خارج القانون جريمة، والأجهزة الأمنية للدولة مسؤوليتها الأخلاقية مضاعفة لأنها الأقوى، ومسؤوليتها السياسية مضاعفة لأنها تعرف منذ البداية أنها بصدد جماعة دموية لن تتوانى عن الدفع بصفوف الجماعة الخلفية إلى الموت لتحسين شروط التفاوض، وكان ينبغى الانتباه إلى هذا التخطيط، ليس خشية من الأصوات الخارجية، بل صونًا للحياة.
نصون الحياة أولاً، ويجب أن تستوى حياة الثوار وحياة المؤمنين بفكر الجماعة المتهافت والمستأجرين والمغرر بهم من كوادرها الفقيرة، وسيكون لدينا بعد ذلك ما يكفى من الوقت لنقوله عن طبقية الجماعة، بل عنصريتها. وعن طبيعة الاعتصامات التى تقيمها والتى لا تنطبق عليها أخلاقية الاحتجاج الحر ما دامت ممولة ووجباتها مدفوعة وما دامت مسلحة. الجدل لا يفيد، لكن المفيد حقًا هو سرعة إعمال القانون.
العيش والحرية والعدالة الاجتماعية التى هتف بها المصريون فى 25 يناير و30 يونيو، هى فى جوهرها شىء واحد: دولة القانون. ولدولة القانون ديون فى رقبة الرئيس المخلوع وجماعته؛ ليس دين التحريض على ما وقع من قتل فى المدن وفى سيناء بعد السقوط فحسب، بل دين دولة القانون التى ناصبها العداء منذ اللحظة الأولى عندما قاوم حلف اليمين أمام المحكمة وعندما فاوض حتى لا يكون القسم علنيًا على التليفزيون، وعندما أصدر إعلانًا دستوريًا يؤله فيه نفسه ويدوس به كل مؤسسات الدولة وعندما أهان الخارجية المصرية واستبدلها بشخص واحد عرض به أمننا مع أفريقيا للخطر وعندما أعلن الجهاد فى سوريا على طريقة العصابات التكفيرية لا على طريقة رئيس دولة محترمة يمكن أن تدخل حربًا منظمة فى إطار شرعية دولية.
والأهم أن فى رقاب هذه الجماعة غير القانونية دم ويجب ألا نشوش على الدم بدم جديد. وفى رقاب قادة المرحلة الانتقالية الأولى خطيئة تمرير الأحزاب الدينية إلى السياسة بالمخالفة لكل المنطق السياسى فى العالم وبالمخالفة لدساتير مصر السابقة وللإعلان الدستورى نفسه. على أن إنجاز العدالة وترتيب أوراق اللعبة السياسية يجب ألا يعطل التنمية، كما أن مواجهة الخروج على القانون هى المسؤولية الكبيرة والأصيلة للشرطة والجيش.
ويجب أن يتم هذا بأكبر قدر من الحكمة والاحتراف، فقد اشتقنا إلى دولة القانون، ويجب ألا نسأل بعد ذلك عن آراء الآخرين. كتبت الأسبوع الماضى فى هذه المساحة «لا يمكن أن تحرز أهدافًا وعينك معلقة بالمدرجات» وأتمسك بزعمى: دع الجمهور وسجل أهدافك وهو الذى سيصفق من دون أن تطلب رأيه.
قضايا التخابر، القتل والتعذيب على عتبة باب القصر الجمهورى، قضايا الأموال، كلها ينبغى فتحها. وبقدر ما يجب رفض أى محاولات تدخل من حكومات فى مجريات الأحداث فى مصر بقدر ما قد يكون من الحكمة الانفتاح على المنظمات والهيئات الأهلية. لا ضير من دعوة منظمات حقوقية لحضور التحقيقات والتثبت من الأدلة؛ فهؤلاء الذين حكموا بروح العصابة وبغير العدل يجب أن يذهبوا بالعدل.
ليس لأحد أن يظلمهم، وفى الوقت نفسه ليس لأحد أن يطلب استمرار وضعهم الشاذ وغير القانونى، جماعة فوق القانون. ما نصرخ به منذ جريمة تسللهم إلى الحياة السياسية يجب أن يتحقق، وليست هناك هيئة أو منظمة أو صاحب رأى لديه ضمير يمكن أن يستسيغ وجود جماعة غامضة فوق القانون، لكن قطرة الدم فى الشارع مدانة وغير مبررة لأن المسؤولية الأخلاقية للسلطة مضاعفة، ولا يعفيها أى تفويض شعبى.
والمصريون لن يكونوا سعداء بدوام الوقوف فى الشوارع، ولدينا بدلاً من الثورة ثورتان وما يقرب من ثلاث سنوات من الكر والفر، ومن حق الذين ثاروا أن يستريحوا. انتقدنا مبدأ المظاهرات المؤيدة التى كان الإخوان يخرجونها على مدار العام لإنهاك الثورة، وقلنا إن الشارع حق للمعترضين فقط، وهذه القاعدة يجب ألا تتغير برحيل الجماعة المحتلة.