قادة الإخوان مجرمون وإرهابيون، ومع ذلك يبحث لهم البعض عن خروج آمن. الخروج الآمن فكرة سياسية طيبة جدا ومتسامحة، لكن هل تصلح مع قادة الإخوان؟
التصور الأكثر طيبة هو أن قادة الإخوان يمكن أن يعتزلوا. هذا وهم كبير. إن خروج بعض قياداتهم إلى الخارج كما يسعى الغرب والأمريكان لن يعنى إلا الانضمام إلى الحرب الكونية ضد مصر وجيشها.
إن الإخوان تنظيم دولى، هذا أولًا.
ثانيًا: لا تمثل الوطنية أى قيمة عند الإخوان، ومن ثم فوجوده خارج مصر ليس نفيًا، بل تكليف بمواصلة الجهاد.
ثالثًا: إن تمويل الإخوان يأتى من الخارج، فأنت ترسل قياداتهم إلى مصادر التمويل مباشرة، ثم إن أوامر الحركة تأتى من الخارج، ثم إن العمالة الإخوانية ستجد مأوًى دوليًّا تجعله منصة ضد مصر.
السؤال: كيف تتجاوز عن سيادة القانون وتسمح بهروب مجرمين تحت رعاية الدولة بتدخل خارجى؟! وكيف تسمح لإرهابيين بالهروب دون مساءلة ومحاكمة، قد تحكم لهم بالبراءة؟ فلماذا تحرمهم حتى من احتمال البراءة؟
ليس هكذا يتم بناء دول الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون، فالمطلوب هو دولة القانون على الجميع، لا على الإخوان فقط. كل من أجرم تتم محاسبته، لكن كل هذا عن قادة مجرمين. أما أعضاء الجماعة العاديون فهم بالقطع إخوتنا وأهلنا ويستحقون دخولا آمنا لبيوتهم، لكن هذا يستدعى العودة إلى حوار مكتوب بينى وبين الدكتور النبيل محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى، الذى أرسلت إليه تعليقًا على مقال أرسله إلىّ فقلت:
«لكن سؤالى تفصيلى هنا يا دكتور:
هل ما فعله المسلمون مع الخوارج كان شيطنة للخوارج؟
هل معاملة النازى والفاشى فى أوروبا بالعزل كان شيطنة؟
هل الحجر الصحى للمدمن انتقاص من إنسانيته أم رغبة فى علاجه؟
هل يمكن إجراء حوار سياسى مع فِصامىّ؟
عندما يتكرر نفس تصرف الإخوان أيام النقراشى والملك وعبد الناصر والسادات ومبارك والآن، يبقى مشكلة مين؟
بالمناسبة هذه أسئلة موجهة إلى الطبيب الحكيم المتجرد من ميوله لا إلى الصديق الذى يحقّ له أن يقول ما يشاء فهو فعلا فى قلبى».
انتهى تعليقى فأرسل الدكتور المهدى ردًّا يقول لى فيه:
«تعرف مدى انتقادى لأخطاء الإخوان وسلوكياتهم، خصوصا حين كانوا فى السلطة، وتعرف قناعتى بحاجتهم إلى كثير من التدخلات الإصلاحية فى المنهج والوسائل، وربما فى أساس الجماعة كجماعة، وقد تحدثت إليهم كثيرا قبل أن أعلن آرائى على الملأ، وكان الهدف هو أن ينتبهوا قبل فوات الأوان، وأنا أدرك صعوبة إقناعهم أو تغيير أفكارهم، فضلا عن سلوكهم. وأتفق معك فى كثير من تساؤلاتك فى هذه الرسالة. ولكنى أفرق بين قادة أخطؤوا عن معرفة وعمد فتجب محاسبتهم حسب جرمهم، وأفراد حملوا السلاح أو مارسوا العنف، ويجب أن يقدَّموا للعدالة، وبين أناس كثيرين هم الغالبية فى الإخوان، أعرفهم جيدا، دخلوا الجماعة فى ظروف خاصة واعتقدوا أنها الطريق لتربية الفرد المسلم وتكوين الأسرة المسلمة، وصولا إلى المجتمع المسلم. وهؤلاء يجمعون بين النية الحسنة والقدرة على الطاعة والالتزام والتضحية وليس لديهم القدرة الكافية من التفكير النقدى المستقل أو الإرادة الحرة ويميلون نحو الاعتمادية على القائد ويقدسون الجماعة ولديهم حالة من النرجسية الجماعية، ولا تكاد تخلو عائلة أو شارع أو حى من أحدهم، وهؤلاء هم من يعنوننى، وهم ليسوا إرهابيين أو متطرفين. صحيح أنهم أخطؤوا حين سلموا إرادتهم لغيرهم بشكل أعمى وأخطؤوا حين سلموا أنفسهم لقادة استخدموهم بشكل انتهازى، وهم يحتاجون إلى الاحتواء وتصحيح الأفكار والتأهيل وكثير من الصبر حتى يندمجوا مرة أخرى فى المجتمع (ما لم يتورطوا فى العنف).
ولكن ما أراه وما أسمعه وما يجرى على الأرض يكشف عن نيات استئصالية دموية عنيفة للتيار بأكمله دون تفرقة أو تمييز، استنادًا إلى آراء ترفض الإخوان على الإطلاق وتأييد شعبى جارف سيوظَّف لهذا الغرض، وثأر تاريخى بينهم وبين الشرطة والجيش والقضاء، وأتوقع أن تسيل دماء غزيرة فى هذه المواجهة، وأن تعود الممارسات السلطوية القمعية التى خرجنا فى الثورة لوقفها. لهذا رأيت أنه من الواجب أن نرفض القهر والقمع والإبادة لأى مخلوق ولأى تيار أيًّا كان اتجاهه، وأن يواجَه أى عنف أو إرهاب فى حدود القانون، وأن يحاسَب المحرضون على العنف والممارسون له محاسبة عادلة».
انتهى ردّ الدكتور المهدى، لكننى أرسلت إليه تعليقا قلت فيه:
«طبيبى الرائع.. أنا متفق تمامًا معك حول أعضاء الجماعة، لكن السؤال: كيف يتم إقناعهم أولا بأن هناك مشكلة، ثم أن قيادتهم خرقاء ومجرمة؟ ثم كيف سيتخلصون من نرجسية الجماعة؟
هل سيقبلون أصلا بمبدأ المراجعة؟
هل هم مؤهَّلون لهذا التحول؟
وأى جهة تلك القادرة على وضع خطة تعديل مسار الأعضاء واحتضانهم للتغيير؟
بجد أصبحت مهتمًّا جدًّا بعمليات غسيل العقل والإعداد النفسى للإرهابى أو الاستشهادى.
هذا علم يحتاج منا إلى جهد لنواجه تغييب العقل لأبناء بلدنا وديننا».