ليس هذا هو نفس الرجل الذي كان يقف بجواري على سلم «دار الحكمة» أنا وبلال فضل ووائل غنيم وعبد الرحمن يوسف وحمزة نمرة وزوجته وأطفاله وأخرون في صباح يوم «٢٥ يناير ٢٠١١» والغريب أن كل هؤلاء كانوا داعمين له في إنتخابات الرئاسة إلى أنا .. خصوصاً وبعد أن كان الأقرب إلى قلبي بعد خروج «محمد البرادعي» من السباق لأسباب تتعلق بمبدأ واحد وهو «الدستور أولاً»، وكان هذا نفس السبب الذي تمسكت به لمقاطعتي في المرحلة الأولى في الإنتخابات.. إلى أنني غيرت وجهة نظري بعد فترة من أداءه في مؤتمراته ومواقفه الغير واضحة بل والملتوية تجاه الأحداث التي إشتعلت في عهد المجلس العسكري .. وكان رفضه القاطع أيضاً في التحالف مع «حمدين صباحي» و «خالد على» الذين أعلنا قبولهما للإتحاد سوياً سبباً كافياً ليجعني أراجع نفسي.
هذا الرجل الذي كانت كلماته تهزني عندما أمسك بالميكروفون وهتف ضد مبارك وداخليته وتوريثه لوريثه الأكبر في بشائر يناير .. كان غير جميع الإخوان حيث هو الوحيد الذي كان يهاجم ويهتف مثلنا ضد مبارك ونظامه عكس جميع قيادات الإخوان وقتها منذ أن شاركت في تظاهرات ٢٠٠٦ التي دعت إليها كفاية حتى هذا اليوم مروراً بأحداث ٦ إبريل في المحلة مدينتي التي أقيم فيها معظم الوقت، وغيرها من الفاعليات على مدى خمس سنوات قبل الثورة.
الرجل الذي تابعته جيداً في لقاءاته وقرأت له كتابين وعنه مقالات عده بصفته مختلف عن التنظيم في الأداء .. وفهمت مما قرأت وسمعت أنه كان أهم القيادات الدائمة المشاغبة في مكتب الإرشاد وقائد جيل التغيير في عقلية إدارة الجماعة وخلفة ألاف من الشباب الذين طردوا معه بعد أن فضلوه عن الجماعة بعد أن تم فصله من الجماعة بأمر مباشر من «خيرت الشاطر» الذي كان ينتظر أي فرصة يجبره به على الخروج من الإخوان بشتى الطرق .. أعطى له «أبو الفتوح» الفرصة كاملة ليحقق أمنيته بعد أن خالف قرار جماعة آنذاك بعدم الدفع بمرشح للرئاسة .. ثم بعدها كعادتهم تراجعوا عن هذا القرار وشاركوا بمرشحين لضمان الإستمرار في السباق حتى النهاية.
بعد خسارته في الإنتخابات ومع صدور «إعلان مرسي الدستوري» بدا في أول الأمر أنه مع صف المعارضة الوطنية لهذا الإعلان .. ومع هذا رفض دخول «جبهة الإنقاذ» التي ضمت كل أطياف المعارضة، وكانت تلك هي بدايته في في ملامح الكشف عن هويته الحقيقية .. حيث كما بدا للجميع أنه معارض «بالأقوال لا بالأفعال» .. معارض «بتصريحات لا بمواقف» .. وظهر هذا في المسيرات الموازية لمسيرات الجبهة حيث كانت مسيراته حكراً على أعضاء حزبه ولافتاته .. في مشهد كان يثير تعجب الجميع .. وهذا كله كي لا يشارك مع من يحملون شعارات «يسقط حكم المرشد» فهو لم يكن يوافق عليها .. ولم يدخر جهداً في تلبية دعوات الحوارات الفلكلورية التي دعت إليها الرئاسة والتي كانت غاياتها هي إلتقاط الصور لعرضها على المجتمع الدولي لتُظهر لهم أن هناك حوارات تجرى مع المعارضة .. والحقيقة أنها لم تكن تبدوا معارضة قدر ما كانت تظهر وكأنها إستكمالاً لديكور المشهد السياسي بمعارضة بديلة لها خطوط حمراء لا يمكن أن تتجاوزها .. ومن هنا بدأت الإستقالات الجماعية الأولى لأعضاء الحزب من الذين ليسوا من الإخوان السابقين المقالين إلا قليلاً منهم إستمروا بعدها.
في ٣٠ يونيو أكد أبو الفتوح أنها ثورة شعبية بامتياز .. وبعد أيام معدودات تحول رأيه إلى أنها إنقلاب على السلطة .. في مشهد كان فعلاً كفيلاً لإستقالات مجمعة أخرى ممن تبقوا من أعضاء حزبه الذين لم يكونوا أيضاً إخواناً سابقين .. وبقي أبو الفتوح وحده مع من خرجوا خلفه من الجماعة ليصبح الحزب وكأنه «تنظيم إخواني مُقال موازي كحركة «٦ إبريل» ينتظر أن يعود إلى التنظيم القديم من الباب الكبير» وهذا فيما يبدوا قاب قوسين أو أنى من أن يحدث قريباً بعد فشل مكتب الإرشاد الحالي في كل شيء وضياع الحلم الأعظم بآطماعهم، وأن معظمهم الأن على وشك المحاكمة على جرائم إرتكبوها .. أهمها جريمة التخابر الشهيرة مع تنظيمات خارجية لتنفيذ عمليات إرهابية داخل مصر .. مثل «إقتحام السجون في يناير» والتي بسببها تم حبس «مرسي» خمسة عشر يوماً على زمة التحقيق ومنتظر حبس الباقين بعد التمكن من القبض عليهم من مخبأهم في مسجد رابعة العدوية.
تصرفات أبو الفتوح الأخيرة تدل على أنه قاب أصبح قوسين أو أدنى من العودة محمولاً على الأكتاف إلى «هضبة المقطم» كي يحاول ان ينقذ ما تبقى من التنظيم الذي أصبح على وشك الهلاك بعد ٨٥ عاماً منذ أن أنشأه «حسن البنا» في ١٩٢٨.
الذي أستطيع أن أجذمه الأن هو أن طريق عودة أبو الفتوح إلى التنظيم الدولي الأقدم في البلد الأكبر كمرشداً عاماً أصبح مفروشاً بالورود .. كي ينقذ ما يمكنن إنقاذه .. ويعيد هيكلته لكي يستطيع في غضون سنوات قليلة العودة بقوة إلى العمل السياسي بإعطاء فرصة أكبر للشباب في التغيير الشامل للسياسات الفاشلة التي تعاملت بها قيادات من العجائز ستكون قريباً خلف القضبان.
هنيئًا لتنظيم الإخوان «المعدل» بأبو الفتوح الذي ربما يستطيع محو الصورة التي شوهت للجماعة على مدار عامين ونصف كانت كفيلة بلفظ المجتمع لوجودهم.