من قرية مصرية بسيطة فى أعماق الدلتا أتى للقاهرة ليدرس بكلية الهندسة، والده المزارع البسيط يضع فيه كل حلمه فى أن يصبح مهندسا، ويتحمل المسؤولية، ويساعده فى تكاليف زواج شقيقاته الثلاث.
لا يملك والده أرضا زراعية، بل يستأجر أرضا صغيرة ينفق من محصولها على عائلته البسيطة، مثل ملايين الفلاحين المعدمين، لم يخذل والده، بل كان دائما يسعده بتفوقه فى دراسته واعتماده على نفسه حتى إنه كان يصر على العمل بجوار الدراسة، ليرفع بعض الأعباء عن والده وأسرته التى يحبها.
أحب فتاة من قريته، رأى فيها شريكة حياته المخلصة، وخطبها من أهلها الذين رأوا فيه مثالا للشاب المكافح، واتفق معهم على الزواج بعد أن ينهى دراسته، ويساعد والده فى تجهيز شقيقاته للزواج، قالت له سأنتظرك مهما طال الزمن لأنك تستحق الوفاء، وجاءت سنة التخرج بعد رحلة كفاح طويلة، ونجح بتقدير امتياز، وسافر إلى قريته ليفرّح أهله وحبيبته، ويسعدهم بنجاحه، كل من فى قريته فخورون به للغاية، وحين ذهب لحبيبته رأى فى عيونها حزنا عميقا! سألها: ما يحزنك ونحن فى لحظة الفرح؟
قالت له: إن شقيقى الصغير فى اعتصام رابعة، ويرفض العودة رغم دموع أمى التى لا تتوقف.
قال لها: اطمئنى سأذهب إليه، وأقنعه بالعودة.
وبعد يوم من لقائها، عاد للقاهرة مساء الجمعة، ليحاول إقناع شقيق خطيبته بالعودة، ورفض بشدة العودة بدونه إلى بلدتهما.
قال له شقيق خطيبته: خلينا نبات النهارده عشان أطمن بس على صحابى وبكرة أسافر معاك، وأصالح أمى.
ومع تصاعد الأحداث وقرب الفجر، كان يقف بجواره بالقرب من منطقة المنصة وجامعة الأزهر يحاول إقناعه بالبعد عن مرمى الرصاص والغاز، ولكنه لم يسمع له، ومع الكر والفر رأى مصابا يسقط أمامه، فأسرع لنجدته جلس على الأرض ليستطيع حمله، ولكن فجأة شقت رصاصة جبهته لتسيل دماؤه، وتختلط بدماء المصاب الذى حاول نجدته!
صرخ شقيق خطيبته: لا مش إنت اللى مفروض تموت، أنا اللى جى هنا عشان أموت، إنت جيت ترجعنى وأنا اللى قدمتك عشان تموت. حسبى الله، ونعم الوكيل.
فى قريته الآن مأتم كبير يبكيه الجميع، تبكيه حبيبته، لأنه لن يعود، يحترق قلب والده، لأنه سنده وظهره، ومن عاش حالما بهذه اللحظة التى يؤازره فيها قد فارق الحياة.
تسأل أمه كل من حولها: من قتل ابنى؟ الإخوان ولا الداخلية ولا البلطجية ولا بتوع السياسة اللى ساكتين؟ هو الغلابة ما يعرفوش يعيشوا فى البلد دى؟ حتى لو مشيوا فى حالهم، وبعدوا عن السياسة وأهلها؟
لا أحد يجيب سؤالها، وتنهمر الدموع، ولا أحد يعرف من الدماء القادمة!
فلان الفلانى اللى كان يومها جنبى ساعة لما بدأوا فى ضرب الرصاص
فلان الفلانى اللى ماعرفش اسمه دايما بقول يا ابن عمى وخلاص
فلان اللى سابلى بقية سندوتشه ليلة لما شافنى بغنى وجعان
فلان اللى ماطلعش جوه البرامج وكان بس صوته فى قلب الهتاف
فلان الفلانى