بالنسبة لجهاز الأمن الوطني تمت هيكلة هذا الجهاز ولكن بطريقة غير فنية، حيث تم إلغاء بعض الإدارات «وكان الإلغاء هو السبب فيما نحن عليه الأن» ، مثل النشاط المتطرف والنشاط الديني والنشاط الحزبي .. لغوا كل هذه الإدارات .. فمنذ أن توليت المسؤولية وأرى أنه لن يفرض الأمن في البلد من دون الأمن السياسي، وبالتالي بدأت أعيد تلك الإدارات .. وقد بدأت في إعادة بعض الضباط من أصحاب الخبرة بعد أن تم إستبعادهم من الجهاز بعد ثورة ٢٥ يناير.
تلك كانت إجابة اللواء «محمد إبراهيم» عن السؤال الذي سأله أحد الصحفيين الحاضرين مؤتمر وزير الداخلية حول أحداث ٢٦ يوليو حيث كان السؤال عن أنه قد علم أن حوالي خمسون ضابطاً من المستبعدين من جهاز أمن الدولة القديم قد تم إستدعائهم وعودتهم إلى مواقعهم.
وزير الداخلية هو وزير الشطرنج .. دوره حماية الملك/النظام والموت في سبيله من دون أدنى نقاش .. هذا ما كان يحدث حتى ثورة ٢٥ يناير، فكانت الغايته في حماية النظام تبرر له كل وسائل القمع من وقتل وسحل وتعذيب وتجسس على البشر من خلف ظهر القانون الذي لم يكن وقتها يستطيع أن يقف عقبة في تأمين النظام .. لذا أنشأ لنفسه كوبري أسماه «قانون الطواريء» الذي تهدم مواده كل مواد الحق والعدل في القانون الذي يطبق على البشر .. فيستطيع العدل من خلاله أن ينجوا بنفسه أمام البسطاء من السؤال عن إنعدامه في أبسط صوره وهو تطبيق القانون على الجميع .. وتكون إجابته حاضرة «إسألوا قانون الطوارئ».
فكر الوزير كما هو لم يتغير .. أن تأمين الدولة يبدأ بالأمن السياسي .. الحرية في العمل السياسي هي سبب الخراب والإنفلات الذي يواجهه المجتمع .. فوقت أن كان القمع قائماً كانت الدولة آمنه مطمئنة .. فإذا أردتم الأمن لا تتدخلوا في عملنا واتركوا لنا الحبل على الغارب نفعل ما نشاء .. هكذا يريد الوزير أن يعمل بالوسائل الذي تعلمها ولا يعرف غيرها .. يلوح بالإرهابيين ليقمع السياسيين .. الوزير يرى أن الحل في العودة إلى الماضي لا في الذهاب إلى المستقبل .. فالوزير لم يتعلم في مدرسة الشرطة أن أمن الدولة يبدأ بأمن المواطن وأمن المواطن يبدأ بشعوره بالحرية كي لا ينتزعها عنوة بعد ذلك بالتطرف.
يا سيادة الوزير الناضج .. ألا تدرك أن الأصل في القمع إلغاء الأمن ..بينما الأمن ليس قمعيا لأنه يقوم على مكونات وجوانب سياسية - اقتصادية - اجتماعية - ثقافية - آيديولوجية متشابكة .. القمع عنف والأمن سلام ينتج عن تطبيق القانون والالتزام به واحترام مؤسساته، بينما يعيش القمع من انتهاك القانون واحتقار أجهزته وإخضاعها لنزوات الممسكين به.
وفي حين يحمي الأمن حياة المواطن وحقه في الحرية والكرامة والعدالة، يتنكر القمع لهذا لجميع حقوقه، وينكر أن يكون هناك مواطن أصلا.
وبينما يعتبر الأمن سياسة تمارسها هيئات شرعية، منتخبة وعلنية، يمارس القمع على يد جهات سرية، غير منتخبة وغير شرعية، تستمد قوتها من إضعاف الشعب وإرعابه .. لا يحتاج الأمن إلى أناس يخترق بواسطتهم الحياة العامة، بل إلى من يقومون بإدارتها وفق أسس قانونية ملزمة وعلنية، ويدير القمع الشؤون العامة بالقوة والعنف والابتزاز والأساليب السرية.
يا سيادة الوزير العاقل .. إن هدف الأمن هو الخير للمواطن .. أما هدف القمع فتخويفه وشل حركته وإرغامه على قبول كل ما يأتيه من فوق، مهما كان مجافيا لمصالحه ومتناقضا مع خياراته .. فلا حاجة إلى القول إن رجل الأمن يخدم الهيئة المجتمعية العامة، أما رجل القمع فهو يضع الهيئة المجتمعية العامة في خدمته، ويحولها إلى تابع ذليل له .. وفي حين يعالج رجل الأمن المشكلات بالقانون والتدبير السياسي، يعالجها رجل القمع بالعنف والقسر، خارج أي قانون أو منطق أو مصلحة وطنية وعامة.
يا سيادة الوزير المُطلع .. إن الفكرة التي تأسست بفضلها الدولة الحديثة .. «هي تخلي المواطن عن حقه في العنف مقابل أمنه وحمايته من القمع» .. ولكي تتمكن الدولة من إخراج العنف من الشأن العام وحياة المواطنين، سواء أخذ صورة أعمال قتالية أم قمعية .. هنا يوجد ثمة فارق تكويني وجذري بين القمع والأمن، فالأول يعني إعادة العنف إلى الحياة العامة والخاصة وانتهاكها وتشويه دور الدولة وتبديل طابعها ووظائفها، أما الثاني فليس له غير معنى واحد هو: إخراج العنف من المجال العام، واستبداله بالسياسة وأداواتها .. أي بالديمقراطية.
يا سيادة الوزير الفاهم .. ليست الدول القمعية دولاً أمنية أو آمنة، وهي لا تقوم أصلا بمهام ووظائف الدول .. بما أنها تضع نفسها في عداء دائم مع مواطنيها، وتنظم علاقاتها معهم بوسيلة وحيدة هي العنف والقمع ولعل ما يجري اليوم يبين الفارق بين الأمن والقمع، فالأول سلام والثاني حرب، والأول فضاء حواري وتفاوضي مفتوح بين المواطنين وبينهم وبين الدولة، والثاني زنازين سرية مغلقة ولا شرعية تستخدمها السلطة الاستبدادية كي تمتنع عن تنظيم علاقاتها مع مواطنيها وفق أسس قانونية متوافق عليها.
يا سيادة الوزير العبقري .. إن ما يحدث في مصر كلها الآن .. هو النتاج الطبيعي لقمع السنين الماضية الذي تريد أن تعيده .. لأنه ببساطة هو الحل الأسهل المؤقت .. وستنتج عنه مصائب أكبر من الدولة نفسها.