لن تكون مصر إلا دولة مدنية.
الملايين الذين خرجوا فى الجمعة الأسطورية أكدوا أن مصر دولة مدنية. ولن تكون إلا ذلك، وغير مسموح لها بأن لا تكون إلا ذلك.
انتهى مشروع الدولة الدينية فى مصر.
أولا، لأنه مشروع كذاب يدعو إليه تجار دين وبعض الخونة وجمعيات مموَّلة من الخارج وأفاقون وجماعات دولية وإرهابيون ولا علاقة له بالدين، لا الإسلامى ولا حتى أى دين، ثم هو ثانيا مشروع وهمى، فلا توجد دولة دينية كما يتصورها هؤلاء، لا فى تاريخ المسلمين ولا فى فكر الإسلام. ونماذج الدول التى قامت فى العالم كله على أساس دينى هى أفشل دول العالم، مثل باكستان وأفغانستان والصومال والسودان، وهى أكثر دول العالم عنصرية ودناءة مثل إسرائيل.
ثم ثالثا مصر تطبق الشريعة الإسلامية فعلا، ولا تحلل قوانينها حراما ولا تحرم حلالا، أما تطبيق الحدود فمن الشريعة تماما، وطبقا للشريعة يمكن تعطيله والاكتفاء بالتعزير، وهو القانون الوضعى لعل مُقفَلى القلوب وممسوحى العقول يفهمون.
ثم رابعا مصر دولة تعددية ومتنوعة ورحبة وسمحة ومنفتحة، وهؤلاء، دعاة الدولة الدينية، طائفيون وعنصريون ومذهبيون ومكفراتية وإرهابيون ودمويون، حتى لو كان بعضهم مبتسما لزجا عامل فيها وسطيا. ساعة الجد عاصم عبد الماجد لا يفرق عن عصام العريان وأبو الفتوح نسخة من البلتاجى، الفروق للتجميل وللتضليل، لكن الخندق واحد، والجينات متشابهة والتوائم النفسية والفكرية ملتصقة.
ثم خامسا مصر دولةُ كلِّ مواطنيها، وأى ملتحٍ فاكر نفسه أفضل من غيره أو هو المسلم والآخرون كفرة أو أن المسيحيين ضيوف ويحمدوا ربنا على المعاملة الكريمة، فهذا شخص يجب أن لا تسمح له مصر بالعمل السياسى ولا بد أن يكون معزولا كما تم عزل النازيين العنصريين وكما يُحجَر سياسيا على أى شخص يدعو إلى التمييز والكراهية.
هذا درس الجمعة العظيمة.
ولهذا فإن محاربة الإرهاب ليست مجرد حرب بوليسية أمنية، وإن كانت مهمة ومصيرية ولا بد أن تكون حاسمة وحازمة وفورية، فلا مكان لاعتصامات الإجرام والتعذيب، ولا مكان لقُطّاع الطرق المجرمين ولا مكان للخونة عملاء الخارج الغربى أو العربى. لا توجد بلد محترمة فى العالم تسمح لأوباش بدعوى الحرية ببناء أسوار على كَبَارٍ لمنع العبور أو وضع أكياس رمل لقطع الطريق أو التهجم على العابرين وراكبى السيارات بانعدام أخلاق ومروءة يليق تماما بوضاعة إرهابيين متاجرين بالدين.
لا يوجد حاكم مسلم على مر التاريخ سمح للخوارج بأن يعيثوا فى الأرض قتلا وفسادا وقطعا للطرق (وكانوا يقطعون الطرق تماما كما يفعل الإخوان) إلا حاربهم، بل وقطع أرجلهم وأياديهم من خلاف.
لكن الحرب على الإرهاب أخطر من أن تكون أمنًا وبوليسًا فقط، بل لا بد أن تتعمق وتتوسع وتشمل التعليم والإعلام والثقافة.
إن شعبنا العظيم بفطرته وجيناته الحضارية وبصدقه كشف كذب الإخوان وخداع المتاجرين بالدين ونفض عن نفسه سنوات الخديعة التى وقع فيها فريسة لتضليل هؤلاء وإفكهم ونفاقهم.
لكن يبقى أننا فى حاجة إلى أن نشتغل بجد، لكى يفهم الشعب كله بكل أطيافه وأجياله إسلامنا الحقيقى. إسلامنا المصرى، الذى انتصر على التنطع وعلى كل ما فعله الإخوان والظلاميون والإرهابيون على مدى أربعين عاما لزرع الفتنة الطائفية فى مصر، فقد بدا هشًّا وهامشيًّا أمام مشهد قرْع أجراس الكنائس مع صوت أذان المغرب فى «مغربية هى الأكثر إشراقًا» فى حياتنا!
مصر الحقيقية الحضارية ظهرت فى جمعة ستة وعشرين يوليو الشريفة.
هيا نحفظها ونحافظ عليها.