لم تعد تستفزنى أخبار مسمومة كاذبة عن الجيش «تبخُّها» كتائب من أفاعى جماعة الإخوان على شبكة الإنترنت، فهى جماعة مدمنةٌ الكذبَ منذ نشأتها، ومن يكذب على الله مثلما فعل المرشد العام يسهل على أتباعه الكذب على الناس، فهل عزل مرسى أشد حرمة من هدم الكعبة حجرا حجرا، كما قال المرشد؟!
ولم يعد يدهشنى أن أعضاء الجماعة يتطابقون كما لو أنهم كائنات مستنسخة فى جهاز خاص ينتجها حسب مواصفات مطلوبة، نفس العبارات، نفس التصرفات، نفس التفكير، نفس التبرير والتفسير، وهى نسخ ضد منطق الحياة وحكمة الله فى خلقه بالتنوع والاختلاف، فالجماعات الإنسانية تتطور بتصارع الأفكار والرؤى والاجتهادات، وليس بتماثلها وثباتها، وقد يكون هذا هو سبب الجمود العقلى والوجدنى والنفسى الذى أصاب الإخوان، فأصبحوا أقرب «للروبوتات» منهم إلى البشر فى ما يتعلق بأمور الجماعة ونشاطها وأعمالها، من أول المرشد إلى أصغر عضو بها، وقد تكون الجماعة هى أكبر جهاز غسيل دماغ عرفته البشرية عبر تاريخها الطويل!
وأى قراءة صحيحة للمشهد الحالى مع مراجعة تاريخ جماعة الإخوان، وتصرفاتهم منذ وصولهم إلى حكم مصر تشى ببساطة متناهية بأن الجماعة لن تقبل مصالحة لا تعيدها إلى صدارة المشهد ضد الرغبة الشعبية، ولهذا يبدو الحوار مع الجماعة مغلق الأبواب والأفهام، وليست هذه دعوة لإقصائها أو عزلها أو.. أو، وإنما هى دعوة لتوفير الجهد والوقت فى حوار طرشان غير مفيد، صحيح أننا جميعا نستخدم نفس الحروف، لكن تجميعها فى عبارات لا يعطينا نفس المعانى، كما العربية والفارسية والتركية القديمة والأردية، كلها بحروف عربية، لكنها ذات معان مختلفة..
والأهم أن قادة الجماعة يضغطون علينا بـ«كتائب صماء» من المعتصمين والمتظاهرين يسيطرون عليها سيطرة السادة على العبيد، وتحت الطلب لتنفيذ أى أوامر صادرة منهم مهما كان شططها، وقد قرأت تحقيقات صحفية رائعة عن «ثقافة» متظاهرى رابعة العدوية سواء فى الصحف الأجنبية أو العربية، وأجمعوا على أن أغلبهم من الطبقة الفقيرة أو الطبقة الوسطى الدنيا، وأقلية جدا من الطبقة الوسطى، وقادمون من الأرياف والأحياء العشوائية، ومعزولون عن العالم، ولا يعرفون إلا ما يقال لهم. وتتحكم فيهم المنصة كيفما تشاء..
وأعتقد أن المصريين استقبلوا رسائل رابعة العدوية والنهضة والساعة بذكاء وفسروها تفسيرا صحيحا، فاحتشدوا بعشرات الملايين فى ميادين وشوارع ومراكز وقرى مصر فى مشهد لم يحدث بالكون من قبل، وفوضوا جيشهم وشرطتهم تفويضا مشروطا بوضع نهاية للإرهاب والعنف، وأمروهما بأن يحل القانون محل المصالحة والتفاوض، مع قطع الطرق ووقف مصالح الناس وتعطيل الحياة، وكل هذه الأعمال تصنف عنفا ماديا بالغا فى أى قانون بأى دولة فى العالم..
وقد جربت رابعة العدوية مدى جدية التفويض الشعبى قبل أن يعود الناس إلى بيوتهم، فأصدرت المنصة قرارا بالتحرك إلى مطلع كوبرى أكتوبر بطريق النصر لقطعه، فإذا بالشرطة تتصدى لهم بقوة لأول مرة وتعيدهم مدحورين إلى تجمع اعتصامهم.
وقد نتصور أن تنفيذ قرار التفويض سهل وسريع، وهذا تصور خاطئ، لأن الجماعة سوف تعدل من أساليب عملها وستكون أكثر عنفا، فحالة الهلوسة التى ضربتها بقسوة، لم تدع لها مسافة لأى تفكير سليم، فالقادة لم يستطيعوا حتى هذه اللحظة تصديق أن شمس السلطة التى أنارت «عتمة حياتهم» قد غربت إلى الأبد، وسوف يستميتون فى الإمساك بها حتى لو حرقتهم!
وعلى نفس الدرب يجب أن لا نسمح للجماعة بأن تعطلنا عن استكمال الطريق إلى مصر الحديثة، صحيح أن الاستقرار مهم للتنمية، لكن علينا أن نقفز على رابعة والنهضة والحيل وأساليب الفوضى التى تحاول نشرها الجماعة، بأن نعمل بجد وقوة، فحب الوطن ليس أغنية أو رفع علم فى ميدان، وإنما هو عمل من القلب لناسه خصوصا الفقراء، وكنت فى سهرة رمضانية مع رجال أعمال وصناعة، وقد اتفقوا على أشياء رائعة، وهى أن يعودوا إلى الاستثمار وأن يعاد فتح المصانع التى أغلقت وأن تدور عجلات الإنتاج التى تعطلت، خصوصا بعد عودة الشرطة وتأمينها للمنشآت والطرق، وإذا أرادت الجماعة ومؤيدوها التظاهر فلهم هذا وهم أحرار إذا كانت المظاهرات سلمية دون قطع طرق وتعطيل مصالح، وأن يخضعوا للمساءلة القانونية الحادة فى حالة الخروج على قانون التظاهر والاعتصامات، كما هو موجود فى الدول الغربية من أمريكا إلى اليابان، ونفس الأمر ينطبق على أى متظاهرين أو معتصمين، مهما كانت انتماءاتهم السياسية، فالقانون لا يعرف خيارا ولا فاقوسا.
أى نعمل ونكمل سكتنا دون النظر إلى الوراء، فالمشوار طويل جدا وصعوباته أكثر مما نظن!