حين يتابع المرء ردود أفعال الإخوان على عزل مرسى سيكتشف أن التاريخ يعيد نفسه ولو بصورة جديدة، مقارنة بما شهدته مصر فى نهايات العهد الملكى وما جرى عام 1954، ففى الأولى قامت عناصر التنظيم الخاص باغتيال رئيس وزراء مصر الراحل محمود فهمى النقراشى والقاضى أحمد الخازندار وآخرين، وفى الثانية دخلت الجماعة فى مواجهة عنيفة مع نظام عبدالناصر فى أعقاب محاولة اغتياله فى عام 1954.
أما الآن فالجماعة لم تفهم أن صدامها لم يكن فقط مع الجيش، إنما مع الدولة بكامل مؤسساتها والشعب بمعظم أطيافه، ليس لأن الأخيرة علمانية على الطريقة التركية ولديها مشكلة أيديولوجية مع الإخوان المسلمين، إنما لأن الجماعة، دون غيرها، تطرح، منذ نشأتها، كيانا موازيا يشبه الدولة الموازية التى لا تعترف، ولو ضمنا، بالدولة القائمة، وتعمل على الانقضاض عليها لصالح دولة الجماعة.
والمؤكد أن الإخوان، منذ نشأتهم، لم يفهموا أن لديهم مشكلة فى بنية وصيغة الجماعة نفسها، ولم يجرؤ أحد أن يراجعها أو ينتقدها من داخلها منذ تأسيسها حتى الآن، فكل المنتقدين هم فقط من خرجوا من الجماعة وليسوا من بين أعضائها.
مدهش أن تكون الجماعة وراء تأجيل قيادة ثورة يوليو الخيار الديمقراطى، وكانت أزمة 54 ومحاولة اغتيال عبدالناصر وفشل النخبة السياسية أسبابا رئيسية وراء تبنى خيار الحزب الواحد، وهم يحاولون الآن نسف عملية التحول الديمقراطى، وينسون أن عقارب الساعة لن تعود للوراء، وأن الشعب المصرى لن يقبل إلا ببناء نظام ديمقراطى يحتاج فيه أولاً إلى دولة ونظام ودستور تفتح له الطريق لبناء الديمقراطية.
إن حرب الإخوان ضد الدولة تدفع المواطنين دفعا إلى القبول بأى دولة حتى لو كانت دولة غير ديمقراطية شبيهة بدولة مبارك دون مبارك، فمزايدة الإخوان على القوى السياسية بالقول إنها تعيد إنتاج نظام مبارك أمر لا معنى له، لأن الناس العادية تشعر بأن وجود أى دولة أفضل بالنسبة لهم من دولة الإخوان التى شعروا فيها بالتهميش لأنهم لا ينتمون إلى الجماعة وتنظيمها.
صادم أنه لم يخرج أحد من داخل الجماعة ليقول للناس نعم لقد أخطأنا حين بنينا تنظيما خاصا داخل الجماعة العامة والمعلنة، وأخطأنا حين مارس بعضنا العنف، وأخطأنا حين وصلنا للسلطة ورفضنا أن نقنن وضع الجماعة لتصبح جماعة دينية مثل باقى الجماعات منفصلة عن الحزب السياسى، لا أحد يقول داخل الإخوان المسلمين إنهم أخطأوا حتى لو قالوا إن خصومهم أخطأوا أيضا، وحتى لو شعروا بأن تدخل الجيش فيه ظلم لهم وينسون أنه كانت هناك الملايين فى الشوارع طالبت بسقوط حكم المرشد، وحملت كراهية غير مسبوقة ضد إدارة الجماعة لشؤون البلاد.
إصرار الإخوان على الاستمرار فى مسلسل العنف ونشر الفوضى والأكاذيب، وهذه الراحة النادرة فى تقمص صورة الضحية والتغنى بخطاب المحنة والبلاء، الذى عاشت الجماعة أسيرة له لأكثر من نصف قرن، سينهى تماما دورها السياسى.
إن ما تقوم به الجماعة الآن هو نوع من الانتحار السياسى، فنشر الفوضى والتهديد بتحويل مصر إلى سوريا، بل وربما سعى البعض للقيام بذلك أمر لا يمكن قبوله، ولن يتسامح معه أحد حين يجد بلده يتحول من دولة فيها جيش وشرطة وقضاء وإدارة إلى ميليشيات وإرهاب وقتلة، عندها لن يرحم الشعب المصرى هؤلاء الذين أدمنوا الفشل.