إنه فى اليوم الأول من شهر مارس لسنة 2013، كتبت مقالًا طويلًا بعنوان «الحسين»، أستعرض فيه كل ما مرّ بنا لمدة عامين، وكم من خيانات وطعنات فى الظهر تعرّضنا لها، وكان المقال مصحوبًا بقصيدة الشاعر مصطفى إبراهيم التى تحمل ذات العنوان «الحسين».
فى ختام المقال ذكرت المقولة الشهيرة: لكل حسين مختار. فجاءتنى تعليقات الثوار الحارة: وإمتى حييجى المختار بقى؟
هو المختار بن أبى عبيد الثقفى، ولد بالطائف، فى السنة الأولى للهجرة، ووالده الصحابى أبو عبيد الثقفى، نشأ بالمدينة وكان من محبى الإمام علِى بن أبى طالب، بعد استشهاد الإمام علِى، بايع المختار الإمام الحسن بن على، ثم ما لبث أن اختلف معه مع من انفضوا عن الإمام الحسن قبل مصالحة معاوية، ويقال إنه أراد أن يسلم الإمام الحسن لمعاوية، والبعض يشكك فى هذه الرواية. قبل فاجعة كربلاء، سجنه زياد بن عبيد الله، وفقأ عينه بقضيب حديد. عقب وساطة عبد الله بن عمر، تم إطلاق سراح المختار وذهب إلى الحجاز، حيث بايع عبد الله بن الزبير، ثم ما لبث أن انفض عنه كعادته، وعاد إلى الكوفة، التى كانت تحت حكم عبد الله بن الزبير، حيث ولى عليها إبراهيم بن محمد بن طلحة، إذ قام الأخير بحبس المختار مرة أخرى تخوفًا من مشاركته فى جيش التوابين، وجيش التوابين هو ذاك الذى خرج يطالب بثأر الإمام الحسين. بعد هزيمة ذلك الجيش، كتب المختار إلى بعض الناجين من ذاك الجيش يطلب منهم أن يبايعوه على ثأر الحسين.
الحقيقة أن المختار لم يكن يعرف بالصلاح أو بالتعقل، فكان يبايع ويرجع فى بيعته، كما أن البعض يروى أن جيش التوابين حين خرج كان لا يرغب فى مشاركة المختار، نظرًا إلى ما عرف عنه من رعونة. لكن المختار كان يقول: أما ورب البحار والنخيل والأشجار والمهامة والقفار والملائكة الأبرار والمصطفين الأخيار، لأقتلن كل جبار بكل لدن خطار ومهند بتار بجموع الأنصار ليس بمثل أغمار ولا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين، وزايلت شعب صدع المسلمين، وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت ثار النبيين، لم يكبر على زوال الدنيا، ولم أحفل بالموت إذا أتى.
فكان عزم المختار على الثأر للإمام الحسين مبعثًا لتشجيع الموالين لأبو الشهداء على التحالف مع المختار على الرغم من معرفتهم بكل مثالبه. أرسل المختار لعبد الله بن عمر مرة أخرى ليتوسّط له عند عبد الله بن الزبير ليخرجه من السجن، فأمر عبد الله بن الزبير عامله فى الكوفة بإطلاق سراح المختار الذى كون على فور جيشه للقصاص من قتلة مولانا الإمام الحسين، وكان شعار المختار: يالثارات الحسين. ثم قام المختار بتتبع كل مَن شارك فى قتل الإمام الحسين، أو خان الإمام، وقتلهم جميعًا شر قتلة. قبل أن يشرع المختار فى الانتقام للإمام الحسين أرسل يطلب الإذن من أخى الإمام لأبيه، محمد بن الحنيفية، فقال محمد لرسل المختار: وأما ما ذكرتم ممن دعاكم إلى الطلب بدمائنا، فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه.
لكن المختار حين شرع فى قتل مَن خانوا ومَن قتلوا، ارتكب ما يسمى الآن بجرائم الحرب، حيث تعمّد أن يقتص من كل مَن شارك بمبدأ «الجزاء من جنس العمل»، فمن قطع رقبة الإمام، قام المختار بقطع رقبته، وكل من شارك فى التمثيل بجثمان الإمام الشريف، قام المختار بالتمثيل بجثته، ولما تدفّق الدم، أخذته شهوته فلم يعد يسيطر على رغباته الانتقامية، أفعال انتقامية ما كان لآل البيت أن يأتوا بها بأيديهم، وإن كان آل بيت النبى لم يقروا أفعاله، فهم لم يحملوا عليه، وإنما تعاملوا معه بوصفه قضاء الله الذى كتبه للانتقام ممن قتلهم وخانهم.
بالطبع كان هناك من الناس من حمل بشدة على أفعال المختار، مبتدئا من ثانيا، ومتجاهلًا ما حدث أولًا، لا يحسب أن ما يفعله المختار من فظائع ما هو إلا رد فعل لما فُعل بإمامه من قبل، كانوا هؤلاء ممن لم يكويهم قتل الحسين والتمثيل به وبذويه، وهناك أيضًا من تطرف فى التحمس للمختار ونهمه للانتقام، وكانوا هؤلاء ممن فزعهم قتل الحسين بهذا الشكل.
لكن الحكمة التى علمها لنا أولياء دم الحسين وآل بيته وبيت النبى، أن الله يستخدم من خلقه من يقتص به ليثبت أركان عدله، ويحدث التوازن فى كونه. ومن هذا فلكل حسين مختار.
أما وقد طلبتم المختار، فقد جاءكم.