هتافات مؤيدة للإخوان وما يطلقون عليه الشرعية وصور لمرسى، وهتافات ضد الإخوان وضد مرسى ومع شرعية الجماهير التى قالت كلمتها الفصل فى نهاية يونيو، المكان ليس القاهرة ومظاهرات التأييد والمعارضة طرفاها ليسا مصريى الجنسية وإن كانت مصر قضية مركزية للطرفين، المكان هو ساحات المسجد الأقصى فى القدس والزمان هو الجمعة الثانية من رمضان.
فى الجمعة الأولى علّق بعض نشطاء الحركة الإسلامية «الإخوان المسلمون فى مناطق فلسطين المحتلة عام 1948» وبعض نشطاء حماس «الإخوان المسلمون فى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967» صورة ضخمة لمرسى داخل الحرم القدسى الأمر الذى أثار نقاشات لا نهاية لها، فرغم الارتباط العضوى الذى يربط إخوان فلسطين بالحركة الأم فى مصر فإن إقحام مكان بقداسة الأقصى فى هذا الصراع كان أمرًا غريبًا ومستهجنًا. كل مَن قابلت بعد الحادثة انتقد ما حدث وتناولت عدة مقالات فى الصحافة المحلية الموضوع، بالإضافة إلى الإدانة الواضحة من قبل فاعليات القدس الإسلامية والمسيحية لزج المقدسات الإسلامية أو المسيحية فى أتون صراع سياسى، من ناحيتها استنكرت فصائل منظمة التحرير وعلى رأسها حركة فتح التصرف، حيث اعتبرت أن حماس بدلًا من الوقوف ضد الاستيطان والتهديدات التى يتعرّض لها الأقصى قامت بالوقوف ضد إرادة الشعب المصرى، وعبّرت الجبهة الشعبية عن رفضها هذا التصرف الذى وصفته باللا مسؤول، من ناحية أخرى عبّر أحد الناشطين الذين شاركوا بتعليق الصورة فى لقاء مع صحفية من وكالة أنباء الشرق الأوسط (من الصعب تجاهل حالة الانفصال عن الواقع التى يعبر عنها هذا الناشط) بالقول «إن ما حدث هو تعد على الشرعية، ومن واجبنا الدفاع عن هذا النموذج الإسلامى»، وأضاف مخاطبًا الصحفية «لو أنت مسلمة بجد هتحبى مرسى». رد الفعل الشعبى والرسمى عبر عن الرفض المطلق لهذا التصرف، وعبرت وسائل الإعلام الفصائلية عن مواقف الفصائل المختلفة بهذا الخصوص، وإن اجتمعت كلها باستثناء تلك التابعة للحركة الإسلامية وحركة حماس على رفض التصرف.
هذا التصرف الأخرق هو دليل آخر على مأزق الجماعة فى كل أماكن وجودها. فحالة الرعب التى تسيطر على جماعة الإخوان جعلتها لا ترى أنها بتصرفاتها تلك تزيد فى عزلتها وتظهر بشكل فاضح أن الأولوية الأولى للجماعة هى الجماعة ومصالح الجماعة فقط. فالقدس تتعرض لحملة استيطان وساحات الأقصى تتعرض لاقتحامات مستمرة من جماعات فاشية تدعو لهدمه وترحيل الفلسطينيين عن القدس، وآلاف الأسرى فى سجون الاحتلال، العشرات منهم يخوضون إضرابات عن الطعام، وسرقة الأرض اليومية والتضييق على الحياة والجدار الذى يدمر ويكرّس أمرًا واقعًا، وسط كل هذا تقرر الجماعة أن تضع فى أولويتها تعليق صورة لمرسى فى الأقصى فى امتداد لسلسلة من الخطوات التى تعكس حالة الغباء والسقوط التى تمر بها الجماعة وامتداداتها فى العالم.
ما حدث فى ساحات المسجد الأقصى فى الجمعة الثانية من رمضان هو تعبير عن الانقسام فى الشارع الفلسطينى بخصوص الأوضاع فى مصر، وهو استمرار للصراع المحلى الدائر بين حركة حماس من جهة وفتح والتيارات اليسارية والليبرالية فى الشارع الفلسطينى من جهة أخرى. الأحداث فى مصر تحتل مساحة واسعة من النقاش والجذب السياسى فى الشارع الفلسطينى، وهى ليست كما يحلو للبعض تصويرها على أنها تدخل فى الشأن المصرى، بل هى من وجهة نظر الأطراف السياسية هنا جزء من صراع عابر للحدود وأطرافه، ليس فقط أولئك المحتشدين فى ميادين مصر، بل كل المشهد السياسى فى المنطقة، ولا أبالغ إن زعمت أن التأثير يمتد للمشهد السياسى فى العالم أجمع.
الأحداث الجارية فى مصر أعطتنا فرصة نادرة لمشاهدة حجم امتداد أذرع الجماعة وتنظيمها الدولى وعلاقاتها وتحالفاتها الدولية بشكل واضح وصارخ وفاضح. وتخبط الجماعة وقرارها بالاستقواء بمن ادّعت لسنوات أنه العدو الأكبر لمشروع الإخوان (الذى اكتشفنا أنه مشروع الوصول إلى السلطة لا أى مشروع آخر) هو كما ذكرت أعلاه ناتج عن حالة رعب مركبة، فالسقوط فى حالة الإخوان لن يكون مجرد كبوة أو خسارة معركة سياسية يمكن تعويض خسائرها فى المستقبل، السقوط هو انتفاء لأسباب وجود الجماعة بشكلها السابق وسقوط للجماعة السرية وقلعة الغموض وكواليس اقتصاد البقالة وغسيل الأموال، نمط حياة كامل سيسقط، فالإخوان هنا فى فلسطين نسخة طبق الأصل عنهم فى مصر، فهم يتزوجون داخل الجماعة ويسكنون فى بيوت أصحابها إخوان ويعملون فى مشاريع إخوانية وأصدقاؤهم من داخل الجماعة ومصادر معلوماتهم هى الجماعة وماكنتها الدعائية، وفى لحظة المواجهة الحجة الوحيدة لديهم أسطوانة مشروخة اسمها شرعية الصندوق ووهم أنهم يملكون الشارع وعندما تواجههم بحقيقة الملايين التى خرجت يعودون لحكاية الصندوق باجترار مثير للشفقة.
ويستمر بناء الجدار وتعلو طبقات جديدة فى المستعمرات أو كما تعودنا أن نردد مستوطنات ويتوغّل جيش الاحتلال عميقًا فى لحم فلسطين، ورغم ذلك ستعلو الهتافات فى الجمع القادمة من رمضان لمرسى وضده، للإخوان وللثورة. الجمعة المقبلة ستشهد أننا، ورغم كل الهراء حول انفصالنا، ما زلنا مرتبطين بزواج كاثوليكى لا مفر منه ولا طلاق فيه.