أوصد قادة الإخوان المتشددون الباب فى وجه كل من كان يسعى بصدق للمصالحة والمضى قدما نحو بناء هذا الوطن وتحقيق الأهداف الأصلية لثورة 25 يناير. هم ينتشون لرؤية الدماء، ويسعون للمزيد لكى تشتعل نار المواجهة، ويزعمون الحديث باسم الله وبتفويض منه، لكى يوزعوا مفاتيح الجنة والشهادة على أنصارهم، والوعيد والتهديد بجهنم لمن يعارضهم. هم الفرقة الناجية والبقية فى النار.
هل يتصور عاقل أن مشاهد القتل اليومية فى كل أرجاء مصر هى التى ستعيد الإخوان إلى سدة الحكم؟ هل سيعود الإخوان إلى الحكم إذا انقسم الجيش المصرى كما ينادون يوميا من على منصبة رابعة على مدى الشهر الماضى، وتحولنا إلى سوريا ثانية وفقا للتحذيرات التى يطلقونها فى بياناتهم الموجهة إلى الخارج؟ هل سيحكمون المصريين قصرا وقمعا لمجرد أن الرئيس السابق مرسى فاز فى ظروف استثنائية بكل تأكيد بمنصب الرئاسة بنسبة 52٪ فى أعقاب ثورة شعبية؟ لقد تجاوزت مواقف الإخوان بكثير حدود الخلافات السياسية، وبلغت مرحلة تهديد تماسك ووحدة الوطن وحماية أرواح مواطنية، وهى الركائز الأساسية التى تقوم عليها أى دولة.
هم يدفعون شبابهم ونساءهم وأطفالهم عمدا لمواجهات دموية تزيد وتعمق من كراهيتهم بين أوساط المصريين بعد أن عانوا على مدى عام كامل من فشلهم فى إدارة شؤون البلاد. نعم، كنا نعارض مرسى وننظم المظاهرات والاحتجاجات. ولكن لم تؤد تلك الاحتجاجات إلى معدل قتل بلغ 15مواطنا ومواطنة يوميا، وشلل كامل فى الحياة، وتهديدات بالمزيد، والإعلان باستهانة أن الإخوان وأنصارهم على استعداد لتلقى الرصاص بصدور عارية، وفقا للمتحدث باسمهم جهاد الحداد. كيف يكون مدخلكم لتحقيق أهدافكم السياسية سفك الدماء واعتبار ذلك استشهادا، بينما الهدف الأول للجميع يجب أن يكون حماية أرواح البشر، بل وتوفير سبل العيش الكريم لهم كمواطنين فى دولة يتساوى فيها الجميع؟
كيف يقيم الإخوان المناحات والبكائيات لمقتل ثلاث سيدات فى المنصورة، وهو ما يحزن له أى إنسان بكل تأكيد، ولا يشيرون من قريب أو بعيد إلى الصواريخ التى تسقط يوميا على مقرات الجيش والشرطة فى العريش وسيناء، لتصيبهم وتقتلهم أحيانا كثيرة، كما تصيب وتقتل أبرياء ومدنيين تصيبهم هذه الصواريخ بالخطأ كما شهدنا فى حادثة عمال مصنع الأسمنت والأسرة التى ضرب صاروخ منزلها وهى تتناول طعام الإفطار ليموت على الفور ثلاثة منهم؟ وماذا عن القتلى من معارضى الإخوان فى التحرير والمنيل وبين السرايات والجيزة والمنصورة والإسكندرية والإسماعيلية والسويس والشرقية وأسيوط والمنيا، وكل مدن مصر تقريبا؟ إلى أى مدى يمكن أن يكون الكذب، والزعم بالتظاهر السلمى، بينما هدر الدماء أصبحا تقليدا يوميا بعد صلاة التراويح، والحصول على مفتاح الجنة وبركة المرشد، على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية؟
كيف يرى بديع والبلتاجى وصفوت والشيخ محمد عبد المقصود والعريان وكبار المتحدثين فى منصة رابعة، أن قتل جندى مجند غلبان طيب يحلم بنهاية فترة تجنيده لكى يعود إلى أسرته فى قريته برصاصة قناص فى رقبته بينما هو يقف أمام قسم شرطة أو محطة إذاعة فى العريش «تعبير عن الغضب من إقالة مرسى» أو جهاد فى سبيل الله؟ هل قتل الجنود المصريين من أبنائنا وإخوتنا بألغام مزروعة على جانب الطريق وبصواريخ جراد والتهديد باستخدام سيارات ناسفة وكل تكتيكات تنظيم القاعدة فى العراق وأفغانستان وباكستان يمكن أن يكون دفاعا عن الشرعية أو رغبة فى الديمقراطية؟ هل إجبار مرسى على الخروج من منصبه أسوأ من هدم أحجار الكعبة كما هلوس المرشد؟ هذا إرهاب، ولا يوجد وصف آخر.
للأسف استنفد الإخوان رغبات الكثيرين ممن كانوا يريدون بالفعل تحقيق المصالحة، ورفضوا بعناد غير مفهوم تجاوز حقيقة أن الدفع نحو إقالة مرسى ارتبط به فى نفس التو واللحظة بدعوتهم لحضور اجتماع وزارة الدفاع والقوى الوطنية وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وحزب النور وجبهة الإنقاذ وحركة تمرد والمرأة فى 3 يوليو ليكونوا شركاء حقيقيين فى وضع خريطة طريق للخروج من المأزق وحالة الجمود التى تسبب بها فشل الإخوان فى حكم مصر. وكانت أول تصريحات رئيس الوزراء الجديد دعوتهم للمشاركة فى حكومته، وكذلك الانضمام إلى الاجتماع الذى رعته الرئاسة للمصالحة الوطنية، وهو ما رفضوه بشكل قاطع.
دعوة الفريق الأول عبد الفتاح السيسى للمواطنين لمنحه تفويضا لمواجهة الإرهاب لم تكن خيارا مفضلا لدى الكثيرين من دعاة المصالحة، وكذلك القرار الذى صدر أمس بحبس الرئيس السابق محمد مرسى 15 يوما بتهمة التخابر مع تنظيم حماس. ولكن تهديدات القيادات المتشددة للإخوان للوطن بأكمله، وتصميمهم على الانتحار سياسيا عبر تأكيدهم لعموم المصريين أن مصلحة «الجماعة الربانية» تأتى قبل مصلحة مصر وحقن أرواح المصريين، لم تدع مجالا آخر سوى الوصول إلى هذه النقطة الخطيرة.
لا شك أن أمامنا أسابيع وربما شهورا صعبة قادمة، وإذا كان قادة الإخوان يعشقون القتل ويرونه طريقهم إلى الحكم، فإن أمام غالبية المصريين مسؤولية ضخمة فى منع وقوع هذا السيناريو. نحن أبناء وطن واحد، ودماء كل المصريين غالية، لنحافظ نحن على أرواح بعضنا البعض، ولنعلم أنه لا يوجد خيار سوى أن نعيش سويا. قريبا، سيكون لدينا انتخابات جديدة يختار من خلالها المصريون من يشاؤون لحكم بلادهم. ولكن المؤكد أننا لن نختار من تلوثت يداه بدماء الأبرياء وأدمن الكذب والافتراء على الله رغم أنه يزعم الحديث باسم الدين.