■ يثبت مع الأيام أن «الشعب» أهم وأقوى أسلحة الجيش وحين استدعاه قائد الجيش، لبى النداء و«عسكر» فى الميادين، انتباه.
■ حين تمرد الشعب على الخوف يوماً ما، ذاق القمع وحين كسر حاجز الرهبة كسروا ظهره، ثم استيقظ على «إسلام» غير الذى يعرفه، فخرج من جلده.
■ حين ارتضى أن يمنح صوته مقابل زجاجة زيت وكيلو سكر كرهته، لكنه ثار على هذه المقايضة وفضل أن يبيت جائعاً دون مساومة على «عرضه».
■ يوم قال عنه أحمد نظيف فى أمريكا إنه «ليس ناضجاً»، صدقته وأدهشنى هجوم بعض المثقفين على نظيف، نعم، كانت لقمة العيش همه ومنتهى همومه، فلم يعر السياسة أى التفاتة، ويوم جاءت ثورة يناير فهم أبجديات حقوقه ودخل مرغماً مدرسة السياسة ولم يخرج منها إلا فى مظاهرة بطول الأفق.
■ أعرف تماماً دوره السلبى فى ثورة يوليو، للدقة انقلاب يوليو العسكرى، كان الشعب لحظتها متفرجاً على الدبابات تجوب الشوارع وصوت السادات يعلن ميلاد ثورة من الإذاعة المصرية وجاء محمد نجيب «الواجهة» التى أحبها الناس ثم جمال عبدالناصر بطلاً شعبياً كأبطال الأساطير، يخطب فى الناس فيسحرهم، وبعد سنين طويلة من رحيل «جمال» استدعوه من الذاكرة وحملوه فى الميادين وقد صار «فكرة».
■ كنت أظن أن مطالب الشعب المادية التى ارتفع سقفها، طحنته، فإذا به يطحن افتراءات هبت عليه من «رابعة» وصد عنه الزوابع بصدره القوى بطول مصر وعرضه.
■ اخترع الشعب لغة خاصة مفرداتها الحزم والعزم والإصرار وصاغ كلمة السر، وهى «تمرد» ليواجه بها خفافيش الظلام.
■ رغم أنه ليس شاعراً يرسم بالكلمات ولكن خربشاته فوق جدار الحرية أنجبت منه شاعراً له قصائد تتغنى بالحياة والكرامة وتلقن العالم دروساً فى فن العوم فى بحور الوطنية وفن الكاراتيه مع المستحيل.
■ كان زلزالاً عنيفاً ضرب التردد والحيرة والخذلان وأحرق مدن الصمت حتى نطقت فكنس كل الخرافات التى زرعوها فى رأسه. تسعون مليوناً إلا قليلاً، نزلوا الشوارع بزوجاتهم وأطفالهم شاهرين سلاح الحرية فى وجه أعداء الحرية.
■ أبداً، لم تستطع فيروسات الإخوان أن تنال منه أو تفترس كرات دمه الحمراء، وتعلم الاحتجاج السلمى الصامت فى الميادين وأحياناً فى مكاتب وزراء جىء بهم لمحو هوية مصر وتغيير علمها، لكن جهاز مناعته - الشعب - أقوى من الرصاص فلم يفقد هذه المناعة فى الكوارث أو فى المحن من احتلال المستعمر إلى احتلال الإخوان.
■ أتذكر فى نكسة 67، بات حزيناً أياماً وليالى كان الاكتئاب يمشى فى الطرقات، كان يئن بصوت مكتوم ولم يكن يستريح «للكاكى» فى الشوارع، وفى 73 صفق للكاكى وهو عائد من رحلة نصر يحمل الكرامة لمصر، عاد الكاكى رافعاً الأعلام وعلى الربابة يغنى، وفى يناير 2011، وقف الكاكى حارساً للثورة وفى 30 يونيو 2013، ناداه الكاكى: انزل وفوضنى لكى أواجه الإرهاب وأزرع أرضك بالسلام والسلمية.
■ يبدو على الشعب الصمت والصبر والانشغال بالحياة اليومية والأحوال المعيشية القاسية التى تذل أعناق الرجال وربما كان فى مجموعه الكاسح أميون لا يعرفون القراءة والكتابة ولكنهم مسلحون بالوعى وقادرون على أن يكونوا «فاعلين» لا مفعولاً به. يشتعلون غضباً، ويتكون من قطرات الغضب هنا وهناك نهر من الغضب يفيض وطنية على شاطئيه.
■ وسط شعوب العالم، يتغندر الشعب المصرى فخوراً بجيناته والمخبوء فى صدره، ينام هادئ البال فى حضن جيشه، يهب من رقدته إذا سمع نفير النداء.
■ كانت مصر أم الدينا فتاة شابة يضخ الدم فى عروقها، كانت بهية الطلعة تخطف القلوب، يغنى الشاعر فى لياليها ويسهر مثقفوهاً فى مقاهى الفكر ويخرج الأطفال يلعبون الكرة وتلعب البنات الحجلة ويدق بائع البسبوسة على صينية يستحث القدر على الرزق ويصلى مسلموها الفجر ويذهب مسيحيوها نهار الأحد إلى الكنائس، فجأة جاء غبار ثقيل يعمى العيون والعقول، وأقام فترة قليلة كأنها دهر قاومه الشعب طويلاً مرة بكلمة ومرة بإشارة ومرة ثالثة على النت ولما وجد أن جلدهم سميك، ازداد إصراراً، كان لابد من إنقاذ عقول مصر الخضراء من هذا الجراد.
■ أيها «الإرهابيون المتأسلمون»، فهمناكم وجربناكم، وعرفناكم «الطرف الثالث»، ارحلوا من حياتنا وعودوا إلى حظائركم.
التوقيع بالأحرف الأولى: «ش.ع.ب مصر».