جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية.. هى سيدة قومها، وكان أبوها قائد بنى المصطلق الذين كانوا ينوون محاربة رسول الله، عليه أفضل الصلاة والسلام.. فلما سمع بمؤامراتهم خرج لهم حتى لقيهم عند بئر ماء يقال لها «المريسيع» من ناحية «قديد»، فاقتتلا، وهزم المسلمون بنى المصطلق، وقتل الحارث، أبوبرة، وزوجها مسافح بن صفوان المصطلقى.
وأُخِذ الرجال عبيدا والنساء سبايا، ووقعت «برة» فى الأسر، وهى سيدة قومها، كانت فى العشرين من عمرها، ورميت السهام، فكانت من نصيب ثابت بن قيس بن شماس الأنصارى، فما كان منها إلا أن كاتبته على نفسها، أى كتبت على نفسها عهدا أن تفتدى نفسها بالمال، ولا تتزوج من «ثابت»، وذهبت عند رسول الله كى يعينها على ما كتبته، فلم تكن تمتلك المال الكافى، وطلبت منه أن يعينها فى مكاتبتها، فقال لها عليه الصلاة والسلام: «هل لك فى خير من ذلك؟»، فسألته: «وما هو يا رسول الله؟»، فقال: «أقضى كتابتك، وأتزوجك»، فقبلت، وقال عليه الصلاة والسلام: «قد فعلت»، وغيَّر رسول الله اسمها من «برة» إلى «جويرية»، وعندما علم المسلمون بالزواج أعتقوا من كان بين أيديهم من سبايا بنى المصطلق، لأنهم أصهار رسول الله، فأعتق بسبب الزيجة مائة حتى قالت «عائشة»: «فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها»، وكانت «جويرية» تحزن بسبب تفاخر زوجات الرسول عليها، إذ كن يقلن لها: «لم يتزوجك رسول الله، إنما أنت ملك يمين»، فأخبرته، فرد عليها قائلا: «ألم أعظم صداقك؟ ألم أعتق أربعين رقبة من قومك؟».. ويقول ابن عمر إن حزام بن هشام قد حدثه بأن «جويرية» رأت رؤيا قبل زواجها من رسول الله، عليه أفضل الصلاة والسلام، بثلاث ليال، كان القمر أقبل يسير من يثرب حتى وقع فى حجرها.. فلم تخبر أحدا برؤياها هذه إلا بعد زواجها من رسول الله، صلى الله عليه وسلم.. أسلمت «جويرية»، وحسن إسلامها، وكانت تقضى وقتا طويلا فى الصلاة والتسبيح حتى قال لها الرسول، عليه الصلاة والسلام: «ألا أعلمك كلمات تقولينها؟ سبحان الله رضا نفسه.. سبحان الله زنة عرشه.. سبحان الله مداد كلماته».
تزوج رسول الله «جويرية» وهى ابنة عشرين سنة، وتوفيت وهى ابنة خمس وستين، سنة خمسين من الهجرة، وصلى عليها مروان بن الحكم، ودفنت بالبقيع مع أمهات المسلمين.. هى من أمهات المؤمنين اللاتى لم يأخذن حقهن فى التاريخ إلا أنه يبقى رفضها العبودية، واعتزازها بحريتها أمراً تفخر به بنات جنسها، ويقتدين بها.