فى الركن الشمالى كان يقع الطحال. يمضى معظم الوقت فى الحقد والتفكير. يرنو إلى الجانب الأيمن، هناك حيث يقع الكبد، يقول لنفسه: «يا له من كائن سمج! يجلس هناك فى يمين العالم كأنه ملك! يحاول إقناع الجميع أنه أهم شىء فى الوجود. كبير وغليظ ومتعالٍ! ويأخذ معظم الدم الذى يضخه القلب! ثم ماذا يفعل فى النهاية؟ تقريبا لا شىء».
وفى اللحظة نفسها، مرت كرة حمراء بجواره، قال لها الطحال بلهجة مسمومة: «مسكينة! تبدين صفراء وشاحبة». ترنحت الكرة الحمراء، وبالرغم أنها كانت رشيقة وحمراء، فقد قالت: إنها بالفعل مُتعبة. همس الطحال وكأنه يُذيع سراً: «إنه الكبد اللعين. يأكل الحديد ولا يعطيك إلا أقل القليل. ولكن اسمعى: هذا سر بينى وبينك».
ومضت الكرة الحمراء تترنح داخل الأوعية الدموية. قال النسيج المبطن فى لوم: «احترسى! لقد آذيتنى». تهاوت الكرة الحمراء: « أنا أموت، وأريد أن أكتب وصيتى» وتجمعت حولها خلايا الدم، فأخبرتهم بالقصة. أثناء ذلك تكونت جلطة.
ابتسم الطحال فى خبث، ثم بسرعة دارى ابتسامته حينما شاهد كرات دم بيضاء تخرج إلى الوجود بريئة بيضاء صافية. قال لها الطحال: «أنتم جئتم إلى العالم الآن، وأريد أن أخبركم بسر، لكن لا تخبروا به أحداً». هزت الكرات البيضاء رؤوسها فى اهتمام، همس لها الطحال: «انظروا إلى الجانب الأيمن. هذا هو الكبد الشرير عدوكم. ينوى التخلص منكم فى أقرب فرصة».
حمل تيار الدم الكرات البيضاء. بمجرد أن وصلت إلى الكبد حتى شرعت تهاجمه. انتفض الكبد منزعجا، قال:«هل جننتم؟ مهمتكم أن تقتلوا الأعداء لا أن تقتلونى أنا». قالت كرة بيضاء وهى تموت: «اسكت أيها الشرير لقد أخبرنا الطحال عنك». قال الكبد فى احتقار: «الطحال عضو ثانوى لا قيمة له. ألم تر أن الإنسان يستأصل طحاله ثم يستمر على قيد الحياة. أما أنا فلا حياة للجسد بدونى»؟
رد الطحال فى غل: «أنا الذى أصنع كرات الدم البيضاء وأخزن الحمراء إلى وقت الحاجة». قهقه الكبد وقال: «متْ بغيظك».
ابتلع الطحال الإهانة وقرر الانتقام. قال للمعدة: «أنت تطحنين الطعام فى صبر وصمت». ثم التفت إلى الأمعاء: «وأنت تهضمين الطعام وتمتصينه» ثم ابتسم فى خبث: «ثم يذهب ناتج تعبكما إلى الكبد». شحبت المعدة وصرخت: «هذا صحيح. سأتوقف عن العمل». وقالت الأمعاء: «لن أهضم ولن أمتص. أنا لست مجنونة لأتعب من أجل غيرى». صرخ الكبد: «ولكنى لا أستأثر بالطعام وحدى، وإنما استخدمه فى بناء الجسد».
سمعت الرئتين الحوار، فقالت: «أنا أيضا أشعر بالظلم. لماذا لا يذكرون إلا القلب، برغم أننى أجلب الهواء وأعطى الأوكسجين وأخلص الدم من العوادم المؤذية». ابتسم القلب فى زهوٍ: «أنا رمز الحب! الياقوتة الحمراء أنا». تقلصت الشعب الهوائية وقالت الرئة وهى تنكمش: «أكون مغفلة لو جلبت لك الأوكجسين مرة أخرى».
وقال المخ فى عظمة: «لماذا تتجادلون وأنتم كائنات هامشية لا حياة لها بدونى. أنا السيد! أنا المايسترو».
وقبل أن يكمل المخ كلمته، توقف القلب وانكمشت الرئة وانهار الطحال والكبد، وتخثر الدم مكونا جلطة. ثم تداعى الجسد البشرى كله وساد الصمت الرهيب.