
وولد الشيخ سيد مكاوي بحي عابدين بمدينة القاهرة في الثامن من مايو عام 1926. وعندما كان في الثانية من عمره أصيب في عينيه (برمد صديدي) ونتيجة لتولي (الحلاق) علاجه فقد كف بصره وهو في سن مبكرة.
ومع ذلك فقد كافح بإصرار وإيمان حتى استطاع أن يقهر كل الصعاب التي واجهته ويحتل هذه المكانة الفنية الشامخة في تاريخ الموسيقى العربية المعاصرة.
التحق سيد مكاوي بالكتاب وحفظ القرآن الكريم, وكانت مصادره الفنية تتلخص في سماع الإسطوانات وسماع المشايخ وكبار الفنانين في ذلك الوقت ومنهم : الشيخ(إبراهيم سكر) والشيخ (علي محمود) والشيخ (إبراهيم الفران) والشيخ( محرز سليمان).
واستمع إلى الكثير من المطربين والمطربات نذكر منهم: (محمد العربي- سيد درويش الطنطاوي- زينب المنصورية – سيد مصطفى- محمد صادق).
وبالطبع استمع إلى إسطوانات كوكب الشرق (أم كلثوم) والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وبعد ذلك تعلم الشيخ سيد مكاوي غناء موشحات المولد النبوي الشريف. كل تلك الروافد الثرية والمتنوعة الألوان هي التي كونت شخصيته الفنية, وهيأت له أساسا موسيقيا راسخا, استطاع أن يبني عليه إبداعاته فيما بعد.
وعندما بلغ سيد مكاوي الثالثة عشرة من عمره توفى والده, فأصبح مسئولاً عن أسرته وكان يكسب عيشه من قراءة القرآن الكريم وقراءة المولد النبوي الشريف.
وكان أقطاب تلحين الغناء الديني في ذلك الوقت كل من : الشيخ (علي محمود) والشيخ( درويش الحريري) والشيخ (إبراهيم المغربي) والشيخ (زكريا أحمد) والشيخ (سيد درويش) الذي قدم عملاً واحداً بعنوان (إن ميلاد الرسول المصطفى سامي المكان) وأداه الشيخ (علي محمود).
ولذلك كان الطابع الديني غالبا على ألحان الشيخ سيد مكاوي الموسيقية حتى ذلك الوقت.
وفي تلك الفترة تعرف الشيخ( سيد مكاوي) على كل من المخرج الكبير أحمد بدرخان, ومحمود رأفت الذي كان يمتلك مكتبة صوتية تضم خمسة آلاف أسطوانة لكبار المطربين والمطربات في الفترة السابقة على ذلك العصر، فأتيح للشيخ سيد مكاوي أن يستمع إلى أعمال فنانين أمثال: الشيخ ( يوسف المنيلاوي) و(عبد الحي حلمي) و(محمد سليمان) و(سليمان أبو داوود)و (سيد قاسم) و(محمد عثمان) و(عبده الحامولي).
وفي تلك الفترة أهدي محمود رأفت إلى الشيخ سيد مكاوي آلة عود، فعلم نفسه العزف عليها. وحفظ الأعمال التراثية المسجلة على الإسطوانات التي أتيحت له، وكان يضبط أوتار آلة العود على الطبقة الصوتية للفرقة الموسيقية والمطرب المسجلة على الإسطوانة ويعزف معهم. ثم حفظ الشيخ سيد مكاوي أعمال كل من ( داوود حسنى وسيد درويش وزكريا أحمد ورياض السنباطي ومحمد القصبجي).
تقدم سيد مكاوي إلى الإذاعة المصرية كمغني للتراث ونجح وكان يغني التراث على الهواء مباشرة, واستمر في ذلك لفترة من الوقت وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، تم تعيين الفنان(محمد حسن الشجاعي) مستشارا موسيقيا للإذاعة المصرية فطلب من الشيخ (سيد مكاوي) أن يتجه إلى التلحين، فقدم ألحانا مثل: (باركي لي يا بت يا شلبية جبلوني خلاص في الجهادية) و( فرحت وراق البال يالله غنى ويانا يا مشالله)، وبعد ذلك إضطرته بعض الظروف إلى الاتجاه لتلحين الغناء الديني, فقدم الكثير من الألحان بأصوات كبار المشايخ أمثال: الشيخ(محمد الفيومي) والشيخ (نصر الله طوبار) والشيخ( سيد النقسبندي).
واختتم الشيخ سيد مكاوي تلك المجموعة من الأعمال الدينية بتلحين أسماء الله الحسنى، وبعد ذلك اتجه إلى تلحين الأغاني الجماعية، فقدم ألحانا مثل: (أبو زعيزع قوم صلي وأنت في ريح المتولي، خللي مراتك زعزوعة تلحق تطبخ وتعللى" و (عمك شنطح جالك ينطح تديلو إيه؟) و(وزة بركات كلها بركة) و( مين قالك تعمل تليفون يا قصير يا إيد الهون)و ( ياراجل يا عجوز مناخيرك قد الكوز, تحكي ع البيت من بابه أجرته بربع جنيه, وماتشوفشي ماهيتك قبله وقتها كانت إيه.. وتقول وتعيد في كلام ما يقدمشي لقدام). وقد سجل الشيخ (سيد مكاوي) الكثير من هذه الألحان. وبعدها اتجه إلى تلحين الصور الغنائية التي نذكر منها: (سهرة في الحسين) و(دكان بقال) و(الأميرة والحرايري).
وبعد ذلك تعرف الشيخ سيد مكاوي على الفنان العبقري المتعدد المواهب (صلاح جاهين) الذي كان يكتب بطريقة جديدة جدا. فكان لقاء بين عبقريتين قدم لنا الكثير من الأعمال الناجحة. وبدأ الشيخ (سيد مكاوي) يلحن كلمات (صلاح جاهين), ومن تلك الأعمال (إكمن جيبك عالي.. وفي صوتك حنية)، و(لو كنت ست الحسن والجمال يكون أبو زيد الهلالي أنا)و (يا ضحكة حبيبي يا نور النهار).
وهكذا بدأ الشيخ (سيد مكاوي) انطلاقة فنية جديدة مع الفنان العبقري( صلاح جاهين). وأتجه إلى التلحين للمسرح وكانت البداية مع مسرحية (الصفقة) لتوفيق الحكيم, التي عرضت على المسرح القومي، وكتب صلاح جاهين كلمات غناها الممثلون من تلحين الشيخ سيد مكاوي, وتوالت بعد ذلك الأعمال المسرحية, فلحن مسرحية( دائرة الطباشير)، و( الإنسان الطيب) لبريخت، ومسرحية (السحاب) لأرستوفان، ثم لحن مسرحيات (هاللو دوللي) و(مدرسة المشاغبين) و(الحرافيش),وكل ذلك على كلمات صلاح جاهين.
وجاءت المرحلة التالية في حياة الشيخ (سيد مكاوي)الفنية، حيث اتجه إلى تلحين الأغاني العاطفية، وكانت أولى تلك الأغاني من كلمات مأمون الشناوي، وغنتها المطربة الكبيرة (ليلي مراد) وهي بعنوان (حكايتنا إحنا الاثنين), ثم لحن لنجاة (لو بتحبني) ولشهرزاد أغنية (غيرك إنت ماليش).
وانطلق الشيخ (سيد مكاوي) يلحن هذا النوع من الغناء, فأدى ألحانه كبار المطربين والمطربات باستثناء عبد الحليم حافظ وفيروز.
ولحن الشيخ (سيد مكاوي) لمسرح العرائس عدة أعمال وأشهرها (الليلة الكبيرة), بالإضافة إلى عروض( حمار شهاب الدين) و(قيراط حورية) و( الفيل النونو الغلباوي) و(حكاية سقا).
وقد ظهر الشيخ (سيد مكاوي) كمطرب لأول مرة في حفل للمجهود الحربي, وغنى لحنه الشهير (الأرض بتتكلم عربي), ومنذ ذلك الوقت لم ينقطع عن الغناء أمام الجماهير التي تمسكت بقوة بوجوده كمطرب.
وبعدها اتصلت به كوكب الشرق (أم كلثوم) ليقدما عملا معا فلحن لها من كلمات أحمد رامي ( يا مسهرني).