صنّاع الدراما دائما ما يلجؤون إلى إيجاد طريقة لقياس مدى نجاح أعمالهم الفنية. يحاول بعضهم أن يلجأ إلى حسبة الإعلانات، والبعض الآخر يبحث عن ردود الأفعال على «فيسبوك» و«تويتر»، بينما ينتظر بعضهم استفتاءات الأفضل والأسوأ فى نهاية الشهر، وكلها وسائل مشروعة، فأنت -أولا وأخيرا- لا تصنع عملا دراميا لتشاهده وحدك، إلا أن هذه الوسائل أحيانا ما تسيطر عليها عوامل أخرى غير التعبير الحقيقى عن آراء الناس.
فى الحقيقة لا يوجد رد فعل ولا وسيلة تحليل أصدق من «طرابيزة السفرة» اللى عندنا فى البيت، فهى لا تسيطر عليها أى أهواء شخصية أو أغراض مؤامرتية، ففى النهاية يأتى التقييم حسب الرأى الحقيقى لأعضائها ورؤيتهم للعمل الفنى.
تبدأ اللجنة فى الانعقاد مع أول أيام شهر رمضان، بعد الإفطار مباشرة يمسك السيد الوالد بالريموت كنترول ويقلب بين القنوات، عابرا على مشاهد متفرقة من أغلب المسلسلات التى تعرض فى هذا التوقيت تحديدا.
حتى تستقر اللجنة فى هذا التوقيت على مسلسل «فرعون»، ربما لتلك الحالة المختلفة الذى نجح فريق الكتابة «ياسر عبد المجيد وعمرو الشامى» فى تقديمها فى أول أعمالهم الفنية، وهى نفس الحالة التى صنعها المخرج محمد على بإظهاره فريق العمل كما لم يظهر من قبل، واختياراته للأبطال والكادرات التى تتذكر معها الحالة الرائعة التى صنعها من قبل فى «أهل كايرو». هاهو رجب فرعون (خالد صالح) الذى تحاول جاهدا أن تكرهه لكنك تفشل، وتضبط نفسك متعاطفا معه أحيانا رغم شره وجبروته، ومجدى عزت (صبرى فواز) ضابط الشرطة صاحب الانفعالات الطبيعية والصادقة دائما.
ثم يأتى موعد جلسة الحلويات فبمجرد ظهور صينية الكنافة نستقر على مسلسل «تحت الأرض» الذى يعيد المخرج حاتم على إلى الدراما المصرية ليظهر أنضج ما فى أمير كرارة من خلال حوار رسمه المؤلف هشام هلال ببراعة، معتمدا -كعادته- على شخصيات من دم ولحم تشبهنا فى كثير من التفاصيل الإنسانية.
نتبادل كأعضاء لجنة «طرابيزة السفرة» الأماكن وننتشر فى أماكن حولها «مأنتخين» ويذهب أحدنا لعمل الشاى بعد أن بدأنا نعتاد على ظهورها الراقى وتفاصيلها البديعة. الحديث هنا عن «ذات» الشخصية التى ابتدعها صنع الله إبراهيم فى روايته، وأضافت لها المخرجة كاملة أبو ذكرى والمؤلفتان مريم ناعوم ونجلاء الحدينى وكذلك نيللى كريم أبعادًا أخرى لتصبح النتيجة تلك الحالة الفنية المبهرة مكتملة التفاصيل.
ليبدأ بعدها «بدون ذكر أسماء»، أنه وحيد حامد بقدرته على تحليل الماضى والحاضر لنرى المستقبل بعينيه وكأنه بينجّم أو بيضرب الودع، ومعه تامر محسن أحد أهم المواهب الإخراجية هذا العام، موهبة أثبتت أن لهذا الجيل أفكارا فى اتجاه آخر بعيدا عن الهرى والتكرار، أفكار تحمل فى طياتها مزيجا بين الأدب والسحر.
ليأتى الدور على ذلك العالم الباهر «نيران صديقة» الذى نتعرف على تفاصيله من خلال شخصياته «نور توفيق»، و«أميرة» و«نهال» و«مدحت» و«سليم عثمان» و«رأفت» و«سمرة»، ذلك العالم الذى رسم ملامحه ببراعة وذكاء ساحر محمد أمين راضى فى أول أعماله الدرامية، متعاونا مع صاحب الرؤية الفنية المميزة خالد مرعى.
تبدأ بعد ذلك استعدادات السحور مع عبارات من نوعية «يالللا بسرررعة الفجر قررررب.. مش هلحق أشرب قهوة قبل الأذااان.. بق مية!».
ومع تلك الجمل تبدأ تيترات «اسم مؤقت» الذى يجمع ثلاثة من هواة المغامرة يوسف الشريف، وأحمد نادر جلال مخرجا، ومحمد سلبمان عبد المالك مؤلفا، لتفاجأ بأن أذان الفجر قد حان وأن كل السحور أمامك على طرابيزة السفرة كما هو لم يُمس لأنك كنت مشغولا بمتابعة كل هذه الأحداث والمفاجآت التى وضعها عبد الملك بعناية فائقة الجودة.
نرتمى على الأرض مرة أخرى بجانب الطرابيزة لا نستطيع أن نتمالك أنفسنا من صدمة ضياع السحور، ولحظات ويظهر الثلاثى هشام ماجد وشيكو وأحمد فهمى فى مسلسل «الرجل العناب» الذى كتب السيناريو والحوار له ولاء شريف، وأخرجه شادى على، والذى على الرغم من حالة الفقر الإنتاجية الظاهرة فى بعض تفاصيله، فإن تلك المجموعة استطاعت الخروج بأفضل الأعمال الكوميدية هذا العام بإفيهات غاية فى الطزاجة، وتلك الحالة الرائعة من التهييس التى تنسيك أزمة السحور.
كل الشكر للمجموعة الأولى التى أعلنت عنها لجنة «طرابيزة السفرة».