ما أجمل أن تقف لتقر عينيك ببيت الله الحرام.. لحظات لا تنسى ويستجاب فيها الدعاء عند أول نظرة.. ودائماً ما يكون الدعاء للنفس وللأحباب وللوطن الذى قُسّم إلى أشتات مختلفة.. إننى أعيش هنا لحظات فارقة فى حياتى أستمتع فيها بالنظر إلى الكعبة المشرفة، فالنظر إليها عبادة.. أستمع فيها وأنا أؤدى العمرة ومعى أبنائى نمسك ببعضنا البعض ونحن نطوف حول بيت الله الحرام مهللين مكبرين للعمرة.. ونقف لحظات لنصلى على ميت عندما ينادى المؤذن ليقول «الصلاة على الرجل والمرأة والطفل يرحمكم الله».. يسارع الجميع لصلاة الجنازة.. فاليوم نصليها على من رحلوا عن عالمنا وغداً سيصلون علينا.. ما هى إلا أيام أو ساعات أو دقائق ربما لحظات.. وعندما ننتهى من الإفطار فى الحرم بعد أذان المغرب نعود بعد ساعتين تقريباً لنصلى صلاتى العشاء والتراويح.. وما أجملها صلاة التراويح، إنها بالفعل تراويح للنفس الضعيفة الظمآنة للإيمان والقرب من الله عز وجل.
وأنت فى مكة تنسى كل شىء عن السياسة وهمومها.. تنسى البرامج والمسلسلات ولا تجد ما يشغلك سوى الصلاة والصوم وقراءة القرآن.. إنها مرحلة من السمو الإنسانى بعيداً عن ملذات الحياة ومغانمها.. وعندما نصلى التراويح وفى ركعة الوتر نؤمِّن جميعاً خلف الإمام.
إن الله سبحانه وتعالى هو البر الرحيم، فالبر الإلهى هو أن الله سبحانه وتعالى يعطيك دون أن تسأله، فيعطيك بسؤال وبدون سؤال، لأنه إذا اعتقد العبد أن الله يعطيه عند السؤال فقط فإن حياته تقف، لأننا لا نسال الله دائماً، فمتى أعطاك الله أشهدك بره.. إذا كسبت الله فقد كسبت كل شىء وما فاتك شىء، أما إذا خسرت جانب الله فللأسف الشديد فقد فاتك كل شىء وما كسبت شيئاً.. فإذا أعطاك الله سبحانه وتعالى فقد أشهدك بره وإذا منعك فقد أشهدك قهره.. إذا أناخ العبد راحلة قلبه على بر الله جاءه الخير من كل مكان ولذلك أعظم شىء هو أنه عندما يقترب الإنسان من جانب رحمات الله يشعر بحلاوة الرضا فتجعله لا يخاف من الغد ولا يحزن على ما فات.. كما قال أحد الصالحين (كن عبداً، فكنت عبداً واسترحت).. فنحن ضيوف عند الله فى الدنيا، والضيف لا يحمل هم الضيافة، فنحن فى ضيافة رب العبد فى الدنيا فكيف أحمل هم ضيافتى وانا عبد للرزاق سبحانه وتعالى، فإذا أعطاك فقد أشهدك بره وإذا منعك فقد اشهدك قهره، وفى كل هو متعرف إليك ومخبر بوجود لطفه عليك سواء فى المنح أو القهر.. قال تعالى «قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا».. الله عز وجل قد يبتلى الإنسان منا فى الدنيا وقد تكون هذه الابتلاءات ليست لأن الله عز وجل يكره هذا العبد، فإنما أكثر الناس بلاءً الأنبياء فالأولياء فالأمثل فالأمثل، إذْ يصاب المؤمن على قدر إيمانه.