ما من مستبد سياسي إلا و يتخذ صفة قدسية يشارك بها الله أو تعطيه مقاما ذا علاقة بالله ... «عبدالرحمن الكواكبي»
مرت على مصر العصور قديما وحديثا ويهوى شعبها تأليه حاكمه الي ان انتقلوا من استبداد حاكم الي حاكم، وعاش الشعب شبه عبيد يتحكم فيهم هؤلاء الحكام في حاضرهم كما يتحكمون في مصائرهم وفي مقدرات بلادهم.
مصر الفرعونية كان الحاكم فيها «إلهاً» منذ بداية النظام الملكي، ولم تكن هذه الألوهية مجازية تشير فقط الى سلطته المطلقة ، بل هي تعبر حرفيا عن عقيدة كانت إحدى السمات التي تميزت بها مصر الفرعونية وهي عقيدة تطورت على مر السنين ، لكنها لم تفقد شيئا من قدرتها و تأثيرها .
مصر الحديثة أصبح الحاكم فيها «نصف إله» وليس بشراً عادياً، «وفور تولي أي مسؤل مسؤوليته حتى وإن كان رجلاً بسيطاًيجلس على كرسي المسؤوليه تجد مرؤوسيه أنفسهم سرعان ما يحولونه إلى كرسي فوق رجل» .. فعندما يمشي مع مرؤوسيه يتكلم هو فقط والباق يستمع ولا يمكن مقاطعته حتى وإن كان يتهكم على أحدهم كما هو الحال عندما يسير المسؤول الأكبر مع المسؤولين التابعين له يتكلم هو ويتحول هؤلاء إلى مجرد «سميعة»، وهكذا من أسفل إلى أعلى حتى تصل إلى «نصف الإله»" الجالس على عرش هذا البلد.
في خطاب للرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» قال أنه قد تأثر برواية «عودة الروح» للأديب الراحل «توفيق الحكيم» عندما قرأ عبارة «نحن فى حاجة إلى خوفو جديد» وقال عبد الناصر «أعتقد أن خوفو قد جاء» فصفق الجميع وهللوا وكبروا لـ«خوفو» القرن العشرين .. ثم جاء الرئيس الراحل «أنور السادات» وقال عبارتين شهيرتين «أنا فرعون مصر» و«الديمقراطية لها أنياب» وأيضاً صفق الجميع وهللوا وكبروا حتى جاء الرئيس المخلوع «محمد حسنى مبارك» وقال أحد أهم وزرائه «مفيد شهاب» الذي كان محبباً إلى قلبه «إن مصر دولة مركزية منذ أيام الفراعنة وكل شىء فيها فى يد شخص واحد» .. حتى فور إعلان فوز الرئيس المعزول «محمد مرسى» رئيساً لمصر وفي اليوم التالي وقبل أن يتحدث بكلمة واحدة تسارعت معظم الصحف بعنوان على عنوان واحد «مرسى فرعوناً لمصر» !
وهذا ما يحدث الأن مع «عبد الفتاح السيسي» الذي لا يشغل سوى منصب وزير الدفاع و«هناك من هو فوقه ومن فوق الذي هو فوقه» وتجد جميع القنوات والصحف المعارضة والحكومية منذ ٣٠ يونيو حتى يومنا هذا «تتملقه» بكل فحش يجعلك تتقيأ رغم إحترامك وتقديرك للموقف الذي إتخذه والذي كان متوقعاً فـ«السيسي لم يفعل أكثر مما فعل طنطاوي» في مثل هذا الظرف تماماً حيث قد إنحاز للشعب وليس أكثر من ذلك !
العجيب يدعو «السيسي» الشعب للتظاهر لمساندته في حربه القادمة مع الإرهاب .. حيث هو الذي يدعو وهو مجرد «وزير» في حكومة وليس «الرئيس» إن صحت من الأساس فكر دعوة الحكومة الشعب للتظاهر، وكان من الأفضل أن تمرر للقوى السياسية للدعوة لهذا اليوم .. وعجب العجاب أن الحرب على الإرهاب تحتاج إلى دعوى للتظاهر .. أليس هذا هو واجب الجيش والشرطة من الأساس .. أم أن للسيسي من هذه الحرب مآرب أخرى !!
نعود إلى «نصف الإله» الجديد الذي صنعته القنوات والصحف الحكومية والخاصة .. حيث بعد دعوة السيسي للشعب بالنزول بلحظات تبنت تلك الصحف والقنوات الفكرة ودعت إليها من دون أدنى تحليل أو تدبر أو إستقراء لهذا المطلب الغرب حتى وصل الحد إلى أن كل مانشيتات الصحف الصادرة اليوم لتدعو الشعب للنزول .. وواحدة من أكبر الصحف الحكومية وقبل موعد النزول بيومين تكتب «فوضناك» وأخرى من الصحف الخاصة تكتب «السيسي يدعو .. والشعب يستجيب» !
إذا كانت ثورتي مصر قامتا من أجل القضاء على الديكتاتورية والإستبداد والفساد .. فمتى يفهم عبيد السلطة أن هناك أحراراً لا يعبدون أنصاف الألهه ؟!