هو شهيد حسب جماعة الإخوان المسلمين، وقاتل حسب معارضيهم، وإرهابى حسب الإعلام المملوك لرجال الأعمال، و«مذنب ومُضَلَّل فى آن واحد» حسب كاتب هذه السطور.
كان ينتقد مرسى، معتبرا أنه ضعيف، ووصفه مرة عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك» بأنه «كيس جوافة»، مطالبا إياه بمزيد من الحسم مع معارضيه.. «طهر يا ريس»، ويقول إن أعضاء الجماعة أحيانا ما كانوا يلومونه على هذا، لم يتحدث أبدا عن كونه رئيسا فاشلا، كرر فى الأيام الأخيرة اتهامه الجيش والمخابرات أنهم يقتلون الجنود فى سيناء لإلصاق التهمة فى نظام مرسى، هكذا إذن وصل تفكير بعض أعضاء الجماعة.
قبيل قتله فى الخامس من يوليو الجارى عندما كان يهاجم ومناصرو مرسى آخرين معارضين، قال الشاب والمدون العشرينى القادم من إحدى المحافظات إنه ملتزم بما تأمره به الجماعة التى يفخر بالانتماء لها (السمع والطاعة): «لولا التكليف لفعلت كذا وكذا» انطلق مع آخرين من اعتصامهم أمام جامعة القاهرة باتجاه التحرير، يقول متباهيا قبل قتله ربما بساعة، موجها خطابه إلى مناصرى عزل مرسى: «لن يأمن أحدكم على ماله وداره وعرضه ودينه.. إن تبقى لكم دين... شعب قذر»، تفاجأ ربما بكراهية الكثيرين لمرسى؟ فوصمهم بالكفار وغير هذا. لم يسأل نفسه لماذا كرهوه، يلخص ما خرج لأجله «وعلى قدر كرهى لمرسى.. كان إقبالى على الموت من أجل عودته رئيسا»، الأمر أقرب إلى التحدى، وقادة الجماعة يعلمون أن مرسى لن يعود (وفى هذه اللحظة لم يعد الأمر مرهونا بالتظاهر فقط)، لكنهم يُكبرون أن يعترفوا بهذا ويواصلون دفع الشباب إلى مزيد من المواجهة.
قرب السادسة مساء هذا اليوم، وفى الطريق أمام مبنى ماسبيرو على نهر النيل وميدان عبد المنعم رياض ظلت الشرطة غائبة، كما عهدها، بينما لم يحرك الجيش ساكنا لمنع المواجهة، وظهر بعد أكثر من ساعتين وبعد أن اقتنع المهاجمون (أو وصلهم أمر) بأن عليهم المغادرة، حيث سقط 9 قتلى من الفريقين، كلهم تقريبا فى عمر الشباب. عندما تحرك المهاجمون من مكان اعتصام سلمى للهجوم على معتصمين آخرين تحولوا ببساطة من متظاهرين إلى مشروع قتلة وإن قُُتلوا. الأمر يبدو بسيطا، لكن لا يستقيم المعنى إلا بأن نشير بإصبع الاتهام أيضا إلى قوى الأمن التى فضلت فى كثير من الأحداث مؤخرا أن تترك «الشعب يخلص على بعضه» أو لتعميق صورة مؤيدى الرئيس كدمويين، وبعضهم هكذا فعلًا، فى أحداث حى «بين السرايات» عشية عزل مرسى لم تظهر قوات الشرطة سوى نصف الساعة تقريبا، بينما امتدت الاشتباكات إلى أكثر من 16 ساعة. وفى المنيل تحمل الأهالى عبء الدفاع عن حيهم رغم ظهور مسلحين بآليات ثقيلة.
تتغاضى تقريبا جماعة الإخوان عما يقوم به الآن إسلاميون أكثر تطرفا من قتلٍ لرجال الجيش والشرطة، وتحاول وأنصار مرسى تجريب كل فاعليات التظاهر فى أيام معدودة، بل استوردوا فكرة المظاهرات المتنقلة، وكرروا ما كنا نقوم به منذ 2005 من مظاهرات مفاجئة (عندما كانوا يرفضون مجرد ذكر مبارك بسوء) لا تمانع الجماعة فى إرسال أفرادها ومناصرى عودة مرسى لقطع طريق أو الهجوم على معتصمين آخرين، فهذا يزيد الدماء وعدد من ستتاجر باسمهم باعتبارهم شهداء (ليس بينهم أى من أبناء القيادات أبدا)، فربما حسن هذا فرص تفاوضها مع النظام الجديد.
هؤلاء جميعا مَن قتلوا هذا الشاب العشرينى، شهيد السمع والطاعة وألاعيب الساسة. ينشر أنصار مرسى الآن صورته مع طفلته ذات السبعة أشهر، وتبدأ البكائيات، قتله الذى أرسله يا سادة، فليس مَن دفع هجومه من معتصمى التحرير أو أهالى المنطقة بقاتل، ولا هو من رمل زوجته ويتََّم طفلته التى يتاجرون بصورتها أيضا مع والدها الذى غيبتم عقله قبل أن يغيب عن الدنيا، وامتلأ بالمرارة من كل ما عدا مرسى، واعتبرهم أعداءه شخصيا، ولعله عرف طريقه عندما كتب أنه «ليس أجمل من هذا اليوم (عندما وقعت مصادمات أخرى مع أهالى بين السرايات) سوى 3 أيام، يوم أن استشهد... ويوم أن أرى الجيش والنصارى يحلقون لحى قيادات السلفيين ويذبحونهم، (معتبرا أن الثلاثة خانوا مرسى) ويوم أن أرى رئيسا إسلاميا مرة أخرى على مصر وهذا باذن الله قريب (فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا)».
وقد كان له ما أراد من أمنية أولى وسقط قتيلا.