لمن لا يعرفون الواقعة، نعيم بن مسعود صحابى أسلم فى أثناء غزوة الأحزاب، وجاء إلى النبى يخبره بإسلامه، ويبلغه أن قومه لا يعرفون بهذا الإسلام، ويسأله كيف يستطيع أن يسهم فى «المجهود الحربى».
فكانت نصيحة النبى أنه، كونه رجلا واحدا، ليس بمقدوره إلا أن يخذل من الأعداء ما استطاع، فإنما الحرب خدعة. وهذا بالفعل ما فعله نعيم بن مسعود. بالوقيعة بين بنى قريظة من ناحية، وقريش وغطفان من ناحية. حتى رجع القوم بلا حرب.
سأعود إلى نعيم بن مسعود، لكننى أتوقف لحظات مع بنى قريظة.
هل تعرفين الشعار الذى استخدمه الإخوان حين فضوا اعتصام الاتحادية؟ لقد كان «لا يصلين أحدكم العصر إلا فى بنى قريظة». وهى المقولة التى استخدمها النبى وهو عائد من غزوة الأحزاب، حيث قرر أن يؤدب بنى قريظة على تحالفهم مع قريش. وقد أدبهم بأن حاصرهم ١٥ يوما، ثم حفر أخدودا فى سوق المدينة، وقطع رأس كل من نبت (أى بلغ) من الرجال. فكانت حصيلة القتلى ٧٠٠ إلى ٩٠٠، طيرت أعناقهم وألقوا فى هذا الأخدود.
لماذا ذكرت هذا؟ لكى أطلعك على ما يدور فى أذهانهم. إن المعارضين بالنسبة إلى الإخوان مثل اليهود، وليس أى يهود، بل القبيلة التى قتل رجالها عن بكرة أبيهم، وسبيت نساؤها وأطفالها، واغتنمت أموالها. بسبب موقفها فى غزوة الأحزاب. الغزوة التى كان فيها نعيم بن مسعود. الآن أعود إليه.
لقد كان الشعار الذى استخدمه الإخوان فى فض اعتصام الاتحادية واضحا فى دلالته ومعناه، لا لبس فيه، لكن ما قد يلتبس عليك فى عصرنا الحالى هو الحادثة الأخرى التى يستخدمونها تقليدا لغزوة الأحزاب، واقعة نعيم بن مسعود. ومقولة إن الحرب خدعة. أكثر مقولة يستخدمها الإخوان فى المنافسات، التى يخلطون بينها وبين الحرب. طيب. ما أهمية ذلك؟
فى الحقيقة إن حولنا كثيرين يمهدون الطريق لحكم ميليشيات الإسلامجية جهلا وغباء، لكن هناك عددا لا بأس به يمهدون الطريق مكرا، وتنكرا، وخداعا، قد يصل إلى درجة خلع الحجاب بالنسبة إلى النساء، أو حتى دفع الزوجة إلى خلع الحجاب بالنسبة إلى الرجال (لو كان مطلوبا منهم الاختلاط بوسط هذا سمته). كل هذا بفتاوى ترتكز على أنهم المسلمون، وأننا قريش والأحزاب.
تخفى عليك الواحدة منهم أنها من الإخوان، وتتعمد أن تتصرف تصرفات تؤكد أنها ليست من «التيار الإسلامى»، بل وليست حتى متدينة تدينا عاديا، وقد تدعى أنها من حركة كذا السياسية العالمانية، لكنها فى الحقيقة تقوم بدور نعيم بن مسعود الذى أشرت إليه سابقا: ضرب «الأعداء» بعضهم ببعض، وشق صفوفهم، وتفريق كلمتهم.
وهنا أحب أن أؤكد: بعد التجربة، بعد الفرصة، بعد الفشل، بعد أن رأينا بأعيننا إلى أين كان الإخوان يقودون البلد، لقد مضى وقت التسامح مع الضلالات ومع التضليل، لقد مضى وقت التسامح مع الاستهبال ومع الهبل، لقد مضى وقت الهزل، لقد مضى وقت الاعتذار بالجهل لمن يتصدر العمل العام، لأن الجهل سبة، وليس عذرا، ولأن سلوك الإسلامجية فى الحكم -بل وحتى الآن- كاف لتعليم البهيم.
كلنا على قدر من الجهل فى أمور، وأنا أول من يعترف بجهله. لكن هذا الجهل يجب أن يتناسب طرديا مع تسامحنا مع آراء الآخرين، أما أن يكون أجهل من فينا، هم أكثرنا غطرسة واتهاما للآخرين فى منطقهم وفى ضميرهم، فهذه وصفة لخراب مستديم، لا خروج منه.
ليس هذا محاولة للتفتيش فى ضمائر الناس ولا دعوة إليه، للإنسانة الحق فى تأدية الدور الذى تراه لنفسها فى الحياة، إنما لن يكون أمننا وسلامتنا ومستقبل أبنائنا ثمنا لممارستكم السياسة فى أوقات الفراغ. نحن هنا نتحدث عن إجراءات. تريدون مشاركة، ونحن نريد مشاركة، لكن هذا يعنى مشاركة على قدم المساواة. هذا يعنى إجابة واضحة من كل من يريد أن يشارك فى العمل السياسى: هل نسمح بوجود أحزاب ثبت ارتباطها بميليشيات؟ هل نسمح بوجود جماعات ثبت ارتباطها بميليشيات؟ هل نسمح بأن يستخدم سياسيون سلاح التكفير وتصنيف الناس عقائديا (وما ينتج عن ذلك من أحكام شرعية)؟
فى انتظار الإجابة!