ظهر حزب الله نجما مضيئا فى سماء العرب المظلم. تعوّد العرب على الهزيمة، فإذا بهم يجدون النصر. عرف العرب الخوف، فإذا بهم يجدون الثقة بالنفس. تعوّد العرب على قتال جيش فى مواجهة جيش، فإذا بهم يجدون مقاتلا فى مواجهة أعتى الجيوش. أضيف إلى المقاومة نقطة بحيث أصبحت أمرا فعالا على الأرض. يخشى منها العدو. ثم تحرير الجنوب بعد احتلال وأسر دام عدة سنوات. وتم تحرير بيروت من أطرافها، بعد أن تم حصار المدينة دفاعا عنها. عرف العرب حرب الكر والفر. وانتقل الخوف إلى العدو، إنه يواجه نوعا جديدا من المقاتلين شعارهم النصر أو الشهادة. وجاءت قمة النصر فى حرب تموز- يوليو 2006، صواريخ حزب الله فى مواجهة جيش العدو. ولأول مرة وقعت صواريخ حزب الله على تل أبيب، كما وقعت صواريخ المقاومة الفلسطينية على أشدود وعسقلان وبئر سبع. يعرف حزب الله من يقاتل، العدو الإسرائيلى. وظهر حزب الله حزبا عربيا ناصريا. وكانت صورة زعيمه مرفوعة بجوار صور عبدالناصر.
والآن ظهر حزب الله طائفيا يقاتل فى صف طائفته، وحزبا أيديولوجيا يقاتل فى صف المؤمنين بها. وهذا هو معنى إدخال خمسين ألف مقاتل من مقاتليه فى مدينة القصير السورية، لحسم المعركة لصالح النظام السورى ظانا أنه الوحيد الذى يتم عبره نقل الأسلحة من إيران، وليس أى نظام ثورى بديل، وأن التضحية بالشعب السورى ضد المبادئ الثورية التى يحملها، وأن دفاعه عن النظام السورى هو دفاع عن حكم الاستبداد وضد الثورة السورية المطالبة بالحرية والديمقراطية والتعددية السياسية منذ سنتين. فهو حزب لا يقاتل عدوا، بل يقتل الشعب السورى، أطفالا ونساء ورجالا وشيوخا. ويرمى الصواريخ على المدن السورية. وعبدالناصر الذى كانت صورته تملأ أحضانه لم يسمح بمصرى أن يقتل سورياً فى اللاذقية وقت الانفصال. وأمر الجند المصريين بالعودة إلى مصر مع أنه كان يدافع عن وحدة الجمهورية العربية المتحدة. فكيف يقتل عربى عربياً؟ وكيف يقتل مسلم مسلماً، لبنانياً أو إيرانياً أو سورياً؟ أليس القاتل والمقتول فى النار لأنه كان حريصا على قتل صاحبه؟
كان الإجماع العربى مع حزب الله فى حربه مع إسرائيل عام 2006 وكان كل صاروخ يقع على إسرائيل يهتز له قلب كل عربى إيجاباً، كما كان يهتز مع كل صاروخ إسرائيلى يطلق على جسر لبنانى سلباً. كان الإجماع العربى أن حزب الله على حق عام 2006 فى حربه ضد إسرائيل، والآن الإجماع العربى تقريبا ضد حزب الله فى حربه ضد الثورة السورية الشعبية. لم يعد رئيس حزب الله تعادل صورته صورة ناصر، الثورى ثورى فى كل المواقف والمناسبات، تماما مثل هوجو شافيز الذى كان يؤيد النظام السورى الرسمى ضد الثورة الشعبية. وكيف يدافع شافيز قولاً أو حزب الله عملاً عن نظام استبدادى وراثى على مدى عدة عقود من الزمان؟
لا خوف من النظام السورى البديل. فهو نظام ثورى شعبى ديمقراطى تعددى، وهى أهداف الثورات جميعا فى الربيع العربى، ولا خوف من التآمر على وحدة سوريا. وحتى لو فرض ذلك، فهل يدافع عن وحدة سوريا بقتل شعبها أم بالتحالف معه؟ ولا خوف من التدخل الخارجى، لأن الدفاع عن الداخل ضد الخارج لا يكون بتقتيل الداخل والإعدام بالرصاص فى الميادين العامة للمقاتلين الثوريين وهم مكتوفو الأيدى والأرجل. والعجيب أن ينضم فريق 14 آذار من لبنان وهو اليمين اللبنانى مع الثورة السورية ضد النظام السورى، فى حين أن حزب الله يمثل اليسار اللبنانى مع النظام السورى الرسمى!.
والهدف من دخول خمسين ألف مقاتل من حزب الله فى ميدان القتال فى صف النظام السورى ضد الثورة الشعبية السورية- هو قلب الآية. فبعد أن كادت المعركة تحسم فى صالح الثورة السورية فى مدينة القصير ثم فى دمشق، أراد النظام السورى بمقاتلى حزب الله قلب الآية لصالحه بعد أن كاد الجيش السورى الحر يحسم المعركة على الأرض، على الرغم من طيران وصواريخ ومدافع النظام السورى الرسمى.
هل يحدث تحول فى مسار ثورة الشعب السورى؟ ما بال سقوط المدن واحدة تلو الأخرى لصالح الثورة؟ ألا تنشق فرق بأكملها من الجيش الرسمى لتنضم إلى الجيش السورى الحر؟ وإذا كان المقصود هو إيجاد التوازن العسكرى بين القوتين، الجيش النظامى والجيش السورى الحر، حتى إذا حدث تفاوض يكون التفاوض بين قوتين متعادلتين، فهل ينجح هذا التفاوض؟ والحقيقة وبإجماع آراء الثورة لا حوار بين القاتل والمقتول. لا حوار مع النظام السورى إلا إذا غادر رئيسه، وتم الحوار مع خلفائه أو مع حكومة انتقالية قبل أن يتم انتخاب حكومة شعبية تضع دساتير الثورة ومواثيقها. فتغيير النظام هدف عاجل قبل أن يتم الحوار معه.
طريق الجهاد صحيح من حزب الله، لكن الهدف غير صحيح (قتال الثورة السورية وما يمثلها فى الجيش السورى الحر). وهل سينجح حزب الله فى تحقيق الهدف؟ ويالها من خسارة أن يسقط حزب الله فى عيون العرب، وتسقط شخصية قائده كبطل عربى يستأنف طريق عبدالناصر. وأين الجولان من أهداف حزب الله وأهداف النظام السورى؟ لقد اتفقا على السلام مع إسرائيل وترك الجولان، والحرب ضد الجيش السورى الحر والثورة السورية. لم تستطع إسرائيل أو أمريكا أو كلتاهما إجهاض الربيع العربى حتى فى أكثر ثوراته دموية، الثورة الليبية، أو الثورة السورية. فإن فعلت تكون صراحة فى صالح النظم السابقة أو تكون ضد ثورات الشعوب العربية. وكلاهما مأزق يصعب عبوره.
ويبدأ الغرب الذى طالما عادى حزب الله، باعتباره حزبا إرهابيا فى التخفيف من الهجوم عليه، مادام يعمل ضد صالح الثورة العربية السورية. يقدم باليمين، وينتظر ماذا يأخذ باليسار. وهى أخلاق تجارية تبعد عن الأخلاق الإسلامية أشواطا عديدة. وهذه هى الحياة! لا شىء ثابت فيها، لا الثائر يظل ثائرا، ولا المضاد للثورة يظل مضادا لها. ويبدو أن المصلحة ليست فقط وراء المعرفة، كما يقول هابرماس، بل أيضا وراء الثورة.