هناك مقالات كثيرة كتبها مفكرون وكتاب ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين أو يتعاطفون معهم، وهى تناقش نقطة واحدة: هل هذه ثورة ثانية أم انقلاب عسكرى، وما هى أعداد من خرجوا فى مظاهرات 30 يونيو، هل هى 30 مليونا أم 15 مليونا أم بضعة آلاف؟
لم يتحدث كتاب الإخوان ومؤيدوهم عن مستقبل جماعة الإخوان وتفسيرهم للموقف الجمعى من الشعب المصرى تجاه الإخوان، والذى يحدث لأول مرة فى تاريخ الجماعة، وما هو السبب الحقيقى لفشل الإخوان الذريع فى حكم مصر بعيداً عن التفسيرات الوهمية عن الدولة العميقة ورجال مبارك.
أولاً: لماذا فشل مرسى فى إدارة الدولة؟ السبب الأساسى الحقيقى أن مرسى لم يكن أبداً، ولو للحظة واحدة، رئيساً للجمهورية، وإنما كان سكرتيراً لمكتب الإرشاد، ولم يكن له حق التصرف، وأقصى سلطاته كان تقديم اقتراحات لمكتب الإرشاد. هذا الأمر فريد من نوعه، وما أقوله ليس غريباً بل يعرفه العالم كله، وغياب قائد واحد له سلطة اتخاذ القرار أمر يضعف أى نظام.
ثانياً: أدى غياب السلطة والنفوذ واتخاذ القرار عند الرئيس إلى تفسخ مؤسسة الرئاسة وتوالى استقالات مستشارى الرئيس، حين اكتشفوا أنهم مستشارو الهواء الطلق وليس الرئيس، وحين عرفوا بوضوح أن رئيسهم منزوع السلطات قدموا استقالاتهم تباعاً وأصبحت مؤسسة الرئاسة خالية الوفاض لا تستطيع أن تقدم فكراً ولا رؤية استراتيجية ولا تصوراً لمجابهة الأزمات الخطيرة، وكانت دائماً فى انتظار تعليمات الإرشاد التى لم تقدم شيئاً له قيمة.
ثالثاً: أصبحت قيادة الدولة كلها فى مكتب الإرشاد الذى يوحى تكوينه وأسماء قياداته وطريقة عمله بأنه لا يمكن أن يقود دولة فى عصر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى، ولا تقديم مجموعة عمل حديثة لمواجهة الأزمات وتقديم حلول عصرية سريعة. خبرة مكتب الإرشاد تؤهله لقيادة جماعة سرية ومراجعة حسابات بعض الأعمال التجارية وليس دولة فى حجم مصر.
رابعاً: اعتقد الإخوان أنهم قادرون على محاربة كل القوى الموجودة فى مصر، فقاموا بحملة غير مبررة ضد مؤسسة القضاء الراسخة، وقاموا بتعيين نائب عام منحاز لهم، وقرروا أخونة جميع الوزارات، بالإضافة إلى القضاء والشرطة والجيش- كلما أمكن ذلك- وبذا استطاع الإخوان بمهارة شديدة تجميع كل فئات الشعب المصرى من اليمين إلى اليسار ومن الشباب والسيدات والمسلمين المتدينين والأقباط ضدهم. لقد أغضبوا الجميع وأخافوا الجميع، وتحول الأمر إلى كراهية شديدة من جموع الشعب تجاه الإخوان.
خامساً: ثبت بالدليل القاطع أن معظم الشخصيات الإخوانية فى مناصب الوزراء أو الذين تسلموا أماكن قيادية فى الوزارات المختلفة كانوا محدودى الكفاءة، وربما تكون لذلك علاقة بالتربية الإخوانية التى تسطح عقل معظم أعضاء الإخوان، ونجا من ذلك القلة التى تعلمت فى الغرب، وانتهى الأمر بفشل إخوانى رهيب فى قيادة كل شىء فى مصر.
سادساً: الإخوان المسلمون عليهم أن يقوموا بمراجعات حقيقية كلها مؤلمة وموجعة، لقد انهار بناء 85 سنة بسبب خيبة وسوء أداء قيادة الجماعة لعام واحد، والانهيار كامل وشامل ودون تدخل أمن دولة ولا معتقلات للآلاف ولا محاكمات عسكرية. السبب الحقيقى هو أن الزمن قد تغير والجماعة لم تتطور.
مما لا شك فيه أن الكارثة المدوية التى قضت على الإخوان لها أسباب مختلفة، أولها أن القيادة قد تكلست وتحجرت وتصورت أن طرق تحفيز الشباب فى ثلاثينيات القرن العشرين هى نفس طرق القرن الواحد والعشرين. القيادة التى شاخت وأغلقت الباب على نفسها سقطت وانتهت وربما يكون د. دبديع هو آخر مرشد حقيقى للجماعة. لقد انفصلت مجموعة محترمة من شباب الإخوان عنهم أثناء ثورة 25 يناير، والآن سوف تنفصل مجموعات أكبر بكثير بعد أن اكتشفت الحقيقة المرة. تربية الأخ الإخوانى بالطريقة التى ابتكرها الشيخ البنا قد ثبت أنها لا تناسب هذا العصر وشبكات التواصل الاجتماعى ثبت أنها أقوى من البنا وسيد قطب.
الإخوان يا سادة لن يصبحوا الإخوان الذين ربيتموهم وكبرتموهم، سوف يتركونكم لأن فكركم أصبح خارج الزمن وخارج التاريخ ورابعة العدوية هى آخر مراحل الانتحار الذاتى التى جعلت الملايين من المصريين يتأكدون أنكم لا تنتمون إليه. فأهلاً بمصر الجديدة دون قوة قاهرة جبارة لها ظهير شعبى. أهلاً بمصر دون إخوان زمان، أهلاً بهم بعد أن قضوا على أنفسهم وانهاروا أمام العالم كله.
قم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.