لسنا بالقطع أول مَن يمر بهذه اللحظات، كما أنها ليست المرة الأولى التى نمر بها. جمال عبد الناصر بعد ثورة يوليو تولى وزارة الداخلية، ثم بعدها صار رئيس الوزراء ثم رئيسًا، علِى ماهر تولى رئاسة الحكومة، ثم ذهب لرئاسة لجنة الخمسين التى كانت تعد دستورًا جديدًا للبلاد.
الدستور نفسه راح وجاء وتغيّرت النظرة إليه من الحفاظ عليه وحمايته إلى إلغائه وتغييره، إلى لجنة لوضع دستور جديد إلى تغيير الجديد نفسه.. من خلال البلاغ رقم واحد الذى أذاعه البكباشى أنور السادات -باسم اللواء نجيب- وقال فيه: «إن الجيش قد أصبح كله اليوم يعمل لصالح الوطن فى ظل الدستور، مجردًا من أى غاية».
(بالمناسبة أنا أستند فى هذه المعلومات إلى الكتاب الرائع «دستور فى صندوق القمامة» للكاتب الكبير صلاح عيسى).
وفى اليوم التالى، أصدر القائد العام للقوات المسلحة بلاغًا، قال فيه: «إن هدف الحركة هو رفع لواء الدستور».
وقال بلاغ اليوم الثالث (25 من يوليو 1952)، وجه اللواء محمد نجيب إنذارًا إلى الملك فاروق، يطلب فيه أن يتنازل عن العرش، واستند الإنذار إلى أسباب كان من بينها «عبث الملك بالدستور وامتهانه إرادة الشعب».
لكن يوم الثلاثاء 9 من ديسمبر 1952، وبعد خمسة أشهر فقط، أذاع اللواء محمد نجيب بيانًا قصيرًا، أعلن فيه -باسم الشعب- سقوط دستور 1923، ذلك الذى أقسم ووعد بالحفاظ عليه!
وفى 13 من يناير 1953، صدر -بناء على طلب رئيس الوزراء اللواء محمد نجيب- مرسوم ملكى بتأليف لجنة «وضع مشروع دستور جديد يتفق مع أهداف الثورة».
وفى 10 من فبراير 1953 صدر دستور فترة الانتقال.
وفى 21 من فبراير 1953 افتتح اللواء محمد نجيب اجتماع لجنة الدستور الجديد، وقال إن دستور 1923 لم يعد أساسًا صالحًا للحياة الجديدة، وإن «وجوده القانونى منعدم أو ينبغى أن ينعدم».
هل هذا ارتباك؟
جمال عبد الناصر فى ما بعد وصف تلك الفترة (قرابة أربع سنوات) بمرحلة التجربة والخطأ. لكننا الآن فى يوليو ٢٠١٣ نقف أمام السؤال الحقيقى: هل نريدها تجربة وخطأ مرة أخرى، أم يكفينا كل هذه التجارب والأخطاء بعد فبراير ٢٠١١؟
هل نريدها الآن وبعد أكثر من عامين ونصف العام من المرحلة الانتقالية التى لم تنتقل أبدًا، هل نريدها مرحلة خروج من حكم استبدادى ثم خروجا من حكم إخوانى مهووس أم مرحلة انطلاق نحو بلد ديمقراطى حقيقى وليست ديمقراطية صناديق فقط؟