بعض من الخيال نحتاجه. وبعض من قراءة التاريخ يختصر علينا الكثير من المشكلات والأقاويل والشبهات. ورغم أن أجدادنا العظام لم يكن عندهم سينما ولا كتاب سيناريو، فإنهم كانوا يمتلكون الخيال المصرى الخصيب. ما حدث فى الثالث من يوليو وعزل الدكتور مرسى وظهور القائد العام وعلى جانبيه رموز وأعمدة الدولة المصرية العريقة. الأزهر والكنيسة وقاضى القضاة (رئيس محكمة النقض) ورمز الثورة وقادة الجيوش والشباب. كانت تلك الصورة هى خير دليل على أن فئات وأضلاع الدولة المصرية هم من عزلوا الرئيس الإخوانى. وهاجت الدنيا بعدها واتهمنا زورا وبهتانا أن ما حدث هو انقلاب عسكرى. كأنهم لم يروا الملايين التى خرجت لتعزل هذا الرجل. فسوء النية كان متوفرا من قبل الحدث. ولو كنا نمتلك الخيال ونقرأ التاريخ لأصبح الحدث ورد فعله مختلفا تماما. المشهد قام به عمر مكرم ومجموعة من مشايخ الأزهر بالذهاب إلى بيت محمد على طالبين منه تولى حكم البلاد. وتم من قبل فى ثورة 19 عندما قامت مصر كلها بالتوقيع لتفويض سعد باشا بالسفر للحديث عنهم فى مؤتمر فرنسا للسلام فى باريس. أما فى حالتنا تلك فكان على شيخ الأزهر أن يخرج من جامع الأزهر وخلفه الشعب المصرى. ويخرج البابا من الكاتدرائية المرقسية فى العباسية وحوله وخلفه الشعب. ويخرج الدكتور محمد البرادعى ومعه كل القوى الثورية من التحرير وحوله الشعب أيضا. والجميع يذهب إلى الاتحادية حيث قصر الحكم ومن خلفهم عربة نقل كبرى تحمل توقيعات حملة تمرد. وتقف أمام قائد البلاد وتسلمه مطالب الشعب بعزل الرئيس أمام شاشات التليفزيونات العالمية. وقتها كان الجيش مرغما بناء على طلب الشعب المصرى الذى فوض قادته التاريخيين. الأزهر والكنيسة والرمز الثورى. عندما نقدم صورة لا بد أن نعرف لمن تذهب. أول من نريد أن يتلقفها الأمريكان. وهم يفهمون جيدا فى الصورة والشو الإعلامى ويتلقون الرسالة ويصدرونها سريعا إلى الرأى العام عندهم بتلك الصورة الحديثة القديمة المصرية الخالصة كنا اختصرنا على أنفسنا كل القيل والقال عما يدور الآن فى أروقة بيوت الساسة فى العالم الغربى، وللعلم الغرب وبما فيهم أمريكا تخلصوا تماما من وهم حكم الإخوان وتجاوزوهم. الأمريكان لا يمكن أن يشعروا بالهزيمة. وقتها سيستخدمون القوة الكاسحة. القوة المفرطة للحفاظ على سمعتهم، لكنهم لم يكونوا معترضين على رحيل مرسى والإخوان. الأمر سيان لديهم فقد كانوا على علم ولم يكونوا مؤيدين ولا معارضين. فقد فشلت خطتهم الكبرى وعطلت عملية السلام. عصا فى العجلة. الاتفاق كان توقيع الجميع على اتفاقية السلام وإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها رام الله. والمطلوب كان توقيع الإخوان -أى توقيع حماس على الاتفاقية. لكن الإخوان خذلوهم ولم يستطيعوا لمّ شمل الأمة المصرية للتوقيع، لذلك يمارسون الضغط من أجل أن يكون للإخوان وجود فى الحياة السياسية المصرية. لذلك فكل عملاء أمريكا فى مصر من كُتاب وسياسيين وحركات تتدعى الثورية ويتقاضون من الأمريكان مباشرة. كلهم تجدهم شديدى التشنج والحرص والدفاع عن عدم الإقصاء لأى فصيل، خصوصا الإخوان. وبعضهم يضغط فى اتجاه أنه انقلاب عسكرى كى يتم له ما يريد بعدم إقصاء الإخوان. لكن حلفان الدكتور البرادعى اليمين كنائب للرئيس للشؤون الخارجية وهو رمز للثورة. ولا يمكن أبدا أن ينضم إلى انقلاب عسكرى وهو شخصية لها مصداقية لدى الغرب وواجهة معروفة وموثوق فيها للأمريكان لعلاقته القديمة والمتينة معهم، رغم الاختلاف المهنى معهم عندما كان رئيسًا لهيئة الطاقة الذرية. وجود البرادعى فى الحكم يعطيه مصداقية ثورية شعبية بعيدة عن حكم العسكر كما يطلق البلهاء من الإخوان. الأمريكان أنفسهم بدؤوا فى الإعداد للمرحلة الجديدة، والدليل التنسيق الأمنى ما بين إسرائيل ومصر هذه الأيام. فقد وصل الأمر إلى السماح للطائرات المصرية بأن تطير فوق خان يونس لتتبع المجموعات الإرهابية الهاربة من سيناء، وهو أمر خطير وكبير أن توافق إسرائيل على تلك الفعلة الجبارة بطيران مصرى فوق خان يونس وتعطيل معاهدة كامب ديفيد. التعاون الأمنى الإسرائيلى المصرى لم يكن الوحيد، بل هناك تعاون بعض البلدان الكبرى مع مصر مخابراتيًا. فقد تلقت مصر هدية عربون محبة من دولة ما.. إما الروس وإما إسرائيل، وهى الفيديوهات والصور التى التقطت لقيادات التنظيم الدولى فى اجتماعه فى تركيا. لا يهم هنا الأوراق والمستندات التى سربت ولا حتى الخطط. المهم هنا الصورة التى التقطت وسربت وجاءت إلى مصر على سبيل الهدية. وهو ما جعل تركيا فى غاية العصبية والانفلات وفقدان الأعصاب وأطلق أردوجان كل هذه التصريحات المتوترة مما يدل على أنه فاقد الأعصاب ويشعر أن نهايته اقتربت. وهو يعرف أكثر من غيره الانقلاب الأمريكى على الأنظمة الحاكمة كما أنه يخاف من صحوة الجنرالات فى الجيش التركى. وقد قام الأتراك بعمل مساعى كثيرة لمحاولة حل الأزمة المصرية بالجلوس مع كل الأطراف فى مصر، وكان اقتراحهم هو البدء من نقطة الصفر. عزل مرسى وعزل الفريق السيسى من منصبه فى نفس الوقت لتهدئة الإخوان. ولو تم الاتفاق لتعهد الجانب التركى بفض اعتصام رابعة فى عشر دقائق -على حد تعبيرهم. وقوبل اقتراحهم بالرفض القاطع، بل وبالاستهزاء. وفشلت مفاوضات الأتراك وشعروا أنهم فى طريق مسدود والأزمة لا بد أن تتصاعد والخاسر فيها هم الإخوان. وخسارتهم فادحة ومؤلمة ودموية..
خسارة الإخوان دموية
مقالات -
نشر:
22/7/2013 2:39 ص
–
تحديث
22/7/2013 10:47 ص