هل تتذكرين البلتاجى أيام الجولة الثانية من الانتخابات؟ هل تتذكرينه وهو يجلس إلى جوار أحد عاصرى الليمون المشهورين من تيار «الاشتراكيين المؤمنين» يتبادلون الغزل؟ البلتاجى يقدم الاعتذارات لأن الإخوان حادوا عن طريق الثورة، ويتعهد بعهود جديدة. بينما الأخ الذى يمثل «الاشتراكيين المؤمنين» يزايد عليه: مجرد المطالبة بتعهدات غير مقبول، لا أقبله على نفسى، أنا صوتى لمرسى من غير حاجة. «آه والنيعمة».
هذا المشهد الذى أسقطنى ضحكا، والذى -على تفاهته- أثر جدا فى تفكيرى السياسى بعد انتخاب مرسى، مرشح للعودة الآن بقوة. ولكن هذه المرة بوجوه جديدة.
أحمد المغير، المشهور برجل خيرت الشاطر، تولى دور البلتاجى، وقدم الاعتذارات المعهودة عن سلوكهم خلال الفترة اللى فاتت. ثم قدم التعهد الكارثى مرة أخرى. أن يعود إلى «ثورة ٢٥ يناير». لماذا أسميه تعهدا كارثيا؟
أولا: لأنه يشبه تماما ما فعله البلتاجى وما فعله الإخوان عند كل مفرق. نفس الوعد. ونفس إخلاف الوعد. وهذا استهانة بذكائنا يشعرنى بالإهانة.
ثانيا: أنه يشبه تماما ما أوصاهم به المذيع الإخوانجى أحمد منصور فى فيديو انتشر على صفحات التواصل الاجتماعى. لا تقولوا مرسى، قولوا ٢٥ يناير، فاجعلوها ٢٥ يناير فى مقابل «الانقلاب»، يقصد الخروج الكبير لخلع مرسى فى ٣٠ يونيو.
ثالثا: أن «الاشتراكيين المؤمنين» تلقوا الخيط. فشاهدنا إحدى منظراتهم المقربة من أبو الفتوح تمارس الدور الذى مارسوه دوما. ضرب القوى السياسية المدنية. ولا سيما د.البرادعى. الثابت الوحيد فى سلوك الاشتراكيين المؤمنين منذ تعرفت عليهم، معاداة البرادعى على طول الخط، وتحميله كل الشرور.
رابعا: أن التوقيت متسق تماما، ومتناغم، مع الوضع الميدانى المتدهور للإخوان المسلمين. الذين أرهقهم الاعتصام وبدؤوا يمهدون الأجواء فى أوساطهم للتخلى عنه، وبدؤوا يطالبون مالكى الشقق التى سكنوا فيها أنصارهم من الأشقاء السوريين بتخفيض الإيجارات، لأن ميزانيتهم لم تعد تحتمل. أى أن رفع شعار ٢٥ يناير ليس أكثر من تقديم فرصة لمستبدى الإخوان من خلال أبو الفتوح وأنصاره المدنيين، مقابل شوية كلام.
خامسا: يتزامن هذا أيضا مع نشاط ملحوظ للجان الإلكترونية التابعة لحزب مصر القوية. وهى -بالصدفة طبعا- تستخدم نفس النغمة. ٢٥ يناير فى مقابل ٣٠ يونيو. ويسقط يسقط حكم العسكر، ويحيا يحيا حكم الميليشيات الدينية.
إن فترات الأزمات فى حياة الأمم كاشفة. بغض النظر عن الجدل النظرى حول المصيب والمخطئ. تشبه العركة الشخصية التى ينسى الناس سببها الأصلى ولكن تبقى الكلمات التى قيلت فيها، والمشاعر التى انكشفت فى أثنائها.
ولذلك، رغم مرارتها، لا تخلو من فوائد. فقد كشفت لنا أن الإسلامجية مرتبطون بخلايا إرهابية، وسلاح، يستوى فى ذلك رجل أجرى مراجعات مثل عاصم عبد الماجد، ثم نكص عنها وقت الجد، أو رجل كان يقدم لنا على أنه وجه مدنى، ثورى، مثل د.محمد البلتاجى.
فما الذى يجعلنا نعتقد أن عضو مجلس الإرشاد المستقيل، د.عبد المنعم أبو الفتوح، ليس مرتبطا بها هو الآخر؟ وأننا إذا عارضناه سيستخدمها ضدنا؟
لن نفتش عن نيات الناس. لكن من الغباء البالغ أن لا نتعامل مع ما اكتشفنا. وأن لا يغير ما اكتشفنا فى أولوياتنا. إن ٢٥ يناير، بلا ٣٠ يونيو، لا معنى لها. بل هى شر مستطير أوشك أن يأخذ مصر إلى طريق إيران، ولو صدق البلتاجى فى تهديداته، فهى إلى طريق سوريا. إن ٢٥ يناير، بلا ٣٠ يونيو، عبارة عن تحالف بين وحش ضار كاشف عن أسنانه، وبين آلة كلام تردد على مسامعنا: اطمئنوا إن الوحش يبتسم، اطمئنوا إن الوحش يبتسم، اطمئنوا إن الوحش يبتسم.
لن نفتش عن نيات الناس لكننا لن نقبل وعودا. نريد إجراءات، أولها حل الميليشيات المسلحة وكل الأحزاب والجمعيات التى ثبت ارتباطها بها. لهذا خرجنا فى ٣٠ يونيو بعد ٢٥ يناير، لكى ندافع عن حلمنا، لأننا نريدها دولة مدنية فعلا، مش كده وكده. وقد أدركنا أن البداية أن نهتف: يسقط يسقط حكم الميليشيات المسلحة.