جلست «غادة» تنتظر دورها في عيادة طبيب علاج مرض السكر الشهير. كان أمامها تسع حالات، وبعد أن قاست لها الممرضة نسبة السكر في الدم، بدأت أعراض التوتر تظهر على وجهها. أصيبت «غادة» بمرض السكر بسبب ضغط العمل النفسي الذي تمارسه مديرتها على الموظفين، فهذه المديرة تتعامل بلطف مع نوعين من الموظفين، من لهم ضهر ومن ينقلون لها الأخبار، وتمارس الضغط والتهديد وإلقاء المسؤولية على من يعملون طوال الوقت دون شكوى. فى خطأ فادح ارتكبه أحد المدللين، قررت المديرة إلقاء المسؤولية وتوقيع العقوبة الكبيرة على «غادة» التي انهارت تمامًا، لتكتشف من التحاليل الطبية أنها أصيبت بمرض السكر، ويجب المتابعة مع دكتور متخصص. كانت تواجه «غادة» مشكلتان تتعلقان بمرض لا تعرف عنه الكثير، الأولى هل ستقدر على تربية ابنها الوحيد ذي الأعوام الأربعة ومراعاة زوجها، والثانية هل ستستطيع صوم رمضان كما اعتادت. انتبهت «غادة» على اسمها ينطق بصوت عالٍ، فدخلت حجرة الكشف عند الطبيب. تجولت عيناها في جدران الحجرة البيضاء، فدخلت في حيرة من مجموعة صور موضوعة على جدار تضم صورة لمريم العذراء، وبعضًا من آيات القرآن، وصورًا أخرى تبدو دينية، لكنها غير مفهومة.
بعد انتهاء الكشف، كتب الطبيب الشهير الأدوية المناسبة لحالتها، فسألته: «وفي رمضان مواعيد الدوا هتبقى إزاي»، كان رد الطبيب هادئًا: «إنتي مش ممكن تصومي»، فقالت بتوتر زائد: «هيّا حالتي صعبة قوي كده؟»، فرد بهدوء: «لأ، لكن لو صومتي ممكن يجيلك شلل». كانت الإجابة صادمة أكثر من صدمتها بالإصابة بالمرض، فقالت: «بس أنا أعرف ناس عندها سكر وبتصوم»، رد الطبيب مبتسمًا:«يا شيخة صيام إيه وكلام فارغ إيه، عيشي حياتك»، فقالت:«بس أنا عايزه أصوم»، فرد الطبيب بانفعال: «لو صومتي هاتتشلي وإنتي حرة». خرجت «غادة» ابنة الثلاثين عاما، من العيادة وحالتها النفسية فى أسوأ درجاتها. عادت إلى المنزل، حضنت ابنها، وجلست فى ركن تفكر فى مستقبل أسرتها. بعد يومين، قررت «غادة» الذهاب لطبيب آخر شهير معروف عنه تدينه، تكرر انتظار الدور وقياس السكر فى عيادته مع توتر زائد، ثم دخلت حجرة الكشف، ولم تجد على جدرانها سوى الآيات القرآنية التي منحتها راحة نفسية. روت له ما حدث مع الطبيب الآخر وأعطته الأدوية التي كتبها، فقال بابتسامة سمحة: «الدوا اللي كتبه ده هو الدوا النموذجي لحالتك، ومش هاغير فيه حاجة، فين المشكلة بقى؟»، فقالت: «عايزة أصوم رمضان»، فقال بهدوء:«صومي زي ما إنتي عايزة، هانغير مواعيد الدوا بس»، فقالت بفرح: «يعني أنا مش هاتشل لو صومت؟»، فضحك وقال: «مين اللي قال كده؟»، فقالت: «الدكتور اللي كتب الأدوية دي»، فقال لها: «يا بنتي هو دكتور شاطر جدًا، بس إحنا عارفين إنه ماعندوش أي انتماءات دينية من أي نوع»، فقالت له: «يعني إيه.. يعني ماعندوش دين أصلا؟»، فقال: «أيوه، بس بصراحة هو من أشطر الدكاترة في مصر، لكن لازم تصومي ده فرض، وحق ربنا علينا، ومريض السكر أحسن له يصوم، وهاكتبلك شوية مقويات مع الدوا». خرجت من العيادة ومعها جدول تناول الأدوية في رمضان دون أي محاذير، عادت إلى المنزل سعيدة كأنها زال عنها المرض. جاء شهر رمضان، وصامت «غادة» الأيام الأولى بلا مشاكل، ثم بدأت حالتها تسوء والهبوط يزداد كل يوم، فذهبت إلى طبيب ثالث، وروت له ماحدث مع الطبيبين، فقال: «الأدوية مظبوطة، ما عدا المقويات هنوقفها، لأنها محرمة دوليا، والإتنين الدكاترة أدويتهم للسكر سليمة، بس ماحدش فيهم قالك إن مريض السكر، طبيا، يصوم لحد ما يحس بهبوط، وساعتها لازم يفطر، لأن نقص السكر في الدم أخطر من ارتفاعه، وممكن يؤدي للوفاة، والطب مالوش علاقة بالدين». «غادة» مريضة بالسكر منذ أربعة أعوام، وتصوم حتى يتحمل جسدها، لكنها مازالت تعاني من توتر نفسى حاد كلما جاء شهر رمضان.