بمعرفتى بالسفير نبيل فهمى ومتابعتى لعمله كسفير ناجح فى طوكيو، وبارع فى واشنطن، كنت أؤكد لكل من حدثنى بشأنه أنه سيكون واحداً من أفضل وزراء الخارجية المصريين، ثم جاء المؤتمر الصحفى الذى عقده أمس الأول ليؤكد ذلك.
فـ«نبيل فهمى» هو خير سليل للمدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة والتى كان من أبرز علاماتها محمد صلاح الدين ومحمود فوزى ومحمود رياض وإسماعيل فهمى وعمرو موسى.
لقد انقسمت مدرسة الخارجية المصرية على مدى تاريخها إلى قسمين: الأول يمثله وزراء الخارجية الذين برعوا فى التعبير الدبلوماسى عن سياسات تم تحديدها لهم، وكان من أبرز هؤلاء محمود فوزى وعصمت عبدالمجيد ومحمد كامل عمرو، وقسم آخر برع وزراؤه فى وضع السياسة الخارجية بأنفسهم، خدمة لأهداف قومية متفق عليها، وكان أبرز هؤلاء إسماعيل فهمى وعمرو موسى، ولم يكن من قبيل المصادفة أن أصحاب المدرسة الثانية كانوا فى كثير من الأحيان يصطدمون مع القيادة السياسية حين تختلف رؤى كل منهما لتلك الأهداف القومية.
ونبيل فهمى ينتمى إلى هذا القسم الثانى، وقد أوضح ذلك منذ اليوم الأول لتوليه الوزارة بذلك المؤتمر الصحفى الذى لم نعتده من الوزراء الذين سبقوه والذين كان البعض منهم ينتظر التعليمات التى ستصله بشأن القضايا الخارجية المطلوب الاهتمام بها، أما نبيل فهمى فقد قدم من اليوم الأول رؤية مستقبلية شاملة للقضايا القومية والتى جاءت أولوياته بشأنها صائبة، كما قدم السياسات التى سيتبعها فى كل منها.
وهكذا قدم وزير الخارجية لأول مرة تعاقداً علنياً، أوضح بنوده ووقع أمام الشعب على التزاماته، وهذا النوع من الدبلوماسية الشعبية، والذى لم نعهده من قبل، هو أول نتاج مباشر للثورة التى قام بها الشعب المصرى، والتى جعلت الشعب هو صاحب القول الفصل فى اتخاذ القرار حتى فيما يتعلق بالمجال الدبلوماسى، الذى يتصور البعض أنه مجال متخصص ينأى بنفسه عن التفاعل مع الرأى العام الشعبى، على أن الثورة حين قامت ضد نظام مبارك قامت ضد سياسته الخارجية بقدر ما كانت معنية بالقضايا الداخلية، فقد قامت ضد تراجع دور مصر العربى وإهمالها الملف الأفريقى، وانحيازها شبه الكامل للجانب الأمريكى والإسرائيلى. وقد جاء المؤتمر الصحفى الذى عقده نبيل فهمى أمس الأول بمثابة التطبيق العملى الأول حتى الآن للثورة، أولاً لأنه يعبر عن احترام الوزير للشعب صاحب السلطة العليا، حيث قدم له خطط عمله المستقبلية، وثانياً لأن تلك الخطة جاءت بمثابة التجسيد المباشر لتطلعات الثورة فى المجال الخارجى.. عقبال بقية الوزارات!