يردد أنصار النظام السابق، وبعض الإعلام الأجنبى الذى يجهل الأحداث وما تمر به مصر- أن ثورة ٣٠ يونيو المعلنة منذ شهور طويلة من أفراد الشعب، والشباب على وجه الخصوص، هى «انقلاب عسكرى على الشرعية». ولم أر بهتانا وزورا يعادل هذا الوصف للأسباب القانونية التالية:
١- خروج الشعب بهذه الملايين الكثيفة يجعلنا أمام ثورة رفض أو إقالة شعبية، وهو من أنبل التعبيرات عن الديمقراطية، لأن الشعب صاحب السيادة هو الذى يعبر بنفسه عن موقفه الرافض، ليس فقط للرئيس، ولكن لنظام حكم كامل ولمنهج حكم وإدارة سيئة تقوم على تركيك الدولة والاستحواذ عليها لصالح الأعوان والمقربين والمحاسيب. الملايين الثائرة من الشعب وحدها هى التى تنفى عن الثورة الشعبية وصف الانقلاب العسكرى، حيث اقتصر دور الجيش على تأمين البلاد كمؤسسة وطنية، وحماية الشعب الثائر ضد العنف الذى يمارسه بلطجية النظام، والعناصر الجهادية الإرهابية المسلحة ضد الشعب.
٢- هناك شك شعبى لا يمكن تجاهله فى شرعية الانتخابات الرئاسية ذاتها وفى نتيجتها، حيث قام بعض رجال القضاء من المقربين إلى الإخوان بتحصين نتائج الانتخابات الرئاسية من أى طعن قضائى وفقا للمادة ٢٨ من الإعلان الدستورى الصادر فى مارس ٢٠١١. وكانت هذه هى أولى خطوات التعرية والتآكل فى شرعية النظام. وهذا العامل تحديدا هو ما أدخل الشكوك فى صدور الشعب حول نتيجة الصندوق، لاسيما بعد اكتشاف مخالفات جسيمة وعديدة (البطاقات الملقاة على قارعة الطريق، الدعاية الانتخابية حتى يوم الاقتراع صباحا، البطاقات المطبوعة فى المطابع الأميرية ومؤشر عليها، بل إمكانية استبدال بطاقات وصناديق بكاملها أثناء شهور طويلة دارت خلالها عملية الانتخابات، ولا يدرى الشعب شيئا عن مكان حفظ الصناديق ومدى تأمينها). كل هذه الأسئلة والطعون لم يتم فحصها بجدية، ولا يمكن أن نستغنى فيها عن رقابة القضاء المحايد، وليس لجنة شارك فيها أحد وزراء النظام الحاكم الذى أتت به الانتخابات. هذا عبث يقتل الشرعية التى يتباكون عليها اليوم.
٣- عندما مارس الرئيس السلطة لم يمارسها على الوجه المتفق مع القانون والمبادئ الدستورية العامة، ومع مقتضيات الشرعية والدستورية، ومخالفاته فى هذا الصدد تصل إلى حد الإرهاب: فترك أنصاره يحاصرون المحكمة الدستورية شهرا كاملا، فلا تستطيع أن تنعقد أو تقضى ضده، وهو أبلغ عدوان على القضاء حطم شرعية الرئيس ونال منها. ثم استولى على اختصاص السلطة التأسيسية بوضع قواعد دستورية فى إعلان دستورى منكود، وهو رئيس السلطة التنفيذية وسلطة مؤسسة ومنتخبة. وبمقتضى هذا الإعلان قام الرئيس المخلوع بتحصين أعماله ضد الطعن القضائى، كما حصن كيانات باطلة وحرم المواطن من اللجوء لقاضيه الطبيعى. وهنا تحديدا سقطت عنه الشرعية تماما فى٢١ نوفمبر الماضى. ولكنه استمر فى غيه وبعد إلغاء الإعلان استبقى الدستور كل ما ترتب عليه من آثار. ومع الأسف دافع عن هذه الأعمال غير الدستورية التى أسقطت الشرعية عن الرئيس طرة من أصحاب الرأى الغريض والفكر المريض ممن لا يستحقون شرف الاشتغال بالقانون.
و الخلاصة، أن ارتباط الشرعية السياسية بالمشروعية القانونية وباقتضاء موافقة أعمال السلطات العامة للدستور ومبادئه العامة (أى المساواة، اللجوء للقضاء، استقلال القضاء، حرية الرأى والتعبير.. إلخ) هو ما يجعل من انتهاك هذه المبادئ تقويضا وهدما مباشرا للشرعية.
إن من هدم شرعية رئيس الجمهورية هو محمد مرسى نفسه، وأعمال الجماعة التى تدخلت بصورة سافرة فى شؤون الحكم ولم ينتخبها مصرى واحد.لا الجيش انقلب ولا الشعب افتأت.الرئيس انحرف وجماعته ابتغت. فهدم بيده شرعيته والشعب ثار وطالب باستردادها.
سيادة الشعب تعنى أن السيد لا يكبل لا بمدة ولا بزمن، ومن حقه فى كل لحظة أن يثور أو أن يسترد السلطة ويعطيها لمن يشاء. وإلا فلا معنى للسيادة ولا قيمة للثورات.
بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة لاروشل- فرنسا