عقب إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية فى الجزائر عام 1992 واعتقال عدد كبير من قادة وأعضاء تيارات الإسلام السياسى، اعتبر الإسلاميون ما حدث بمثابة إعلان حرب عليهم، وقرروا حمل السلاح واعتبار كل جزائرى لا يقاتل الحكومة فى نظرهم كافرا، وشهدت الجزائر عددا من المذابح ارتكبت بشكل بشع وغاية فى الوحشية، ورغم اعتراف بعض الجماعات الإسلامية فى ذاك الوقت بمسؤوليتها عن بعض المذابح فإن الجدل صار حول هوية المسؤولين عن تلك المذابح حتى وصل الأمر إلى زعم الإسلاميين أن الجيش هو من يرتكب بعض تلك المذابح ويلصقها بالإسلاميين، وتردد فى نفس الوقت أن الإسلاميين كانوا يتنكرون فى زى الجيش ويرتكبون تلك المذابح، وبعد انتخاب بوتفليقة رئيسا للجزائر فى عام 1999 وبدء مفاوضات معهم وحدوث انشقاقات فى صفوف الجماعة الإسلامية المسلحة، وعرض ميثاق السلم والمصالحة الوطنية للاستفتاء وفيه عفو عن المسلحين الذين لم يقترفوا أعمال قتل أو اغتصاب إذا ما قرروا العودة ونزع سلاحهم، وتمت الموافقة الشعبية على الميثاق فى 16 سبتمبر 1999، وقامت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بنزع سلاحها بالكامل فى 11 يناير 2000، وانتهت تلك الفترة التى سميت بالعشرية السوداء، وما زال بعض المتحدثين باسم التيار الإسلامى حتى الآن يحاولون تبرئته من تلك المذابح ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الشيخ محمد حسان، ولكن الحقيقة الواضحة فى تلك السنوات السوداء كانت عشرات الآلاف من الضحايا من المدنيين.
ورغم الاختلافات الواضحة بين السيناريو المصرى والجزائرى واختلاف البدايات والأسباب والفاعلين الأصليين «العسكر أو المواطنين» لا سيما وأن إسلاميى مصر حصلوا على فرصة لم يحصل عليها إسلاميو الجزائر، وكانت سببا رئيسيا فى تعبئة الشارع ضدهم، فإن ما أثير مؤخرا بخصوص أكثر من حادثة متعلقة بمحاولة تهريب أزياء خاصة بالقوات المسلحة عبر بعض الموانى أو تصنيعها باستخدام ورش تصنيع أزياء محلية.. إلخ، وما ينتهجه مؤيدو الرئيس المعزول من سلوكيات خرقاء لا تؤدى إلا إلى مزيد من العنف فى مواجهة الشارع المصرى الرافض لوجودهم، وما يحدث فى سيناء، إلى جانب أن تلك الجماعات تتميز بعدم القدرة على تجديد أفكارها وأساليبها وقدرتها الغريبة على تكرار تجاربها دون تجاوز أخطاء الماضى، فإنه أصبح لزاما علينا أن نضع فى اعتبارنا التجربة الجزائرية وأن نسأل: ما الخطوة القادمة لأتباع تيار الإسلام السياسى فى مصر؟ وهل لدى الحكومة الجديدة أى تصورات للحد من عنفهم ومحاصرته فى مهده؟ هل يدرك العقلاء من أتباع تيار الإسلام السياسى أن تجربتهم مختلفة فى مصر وأنهم منبوذون فى الشارع بسبب تجربتهم السيئة على مدى عامين ونصف العام، وأنهم يضاعفون رقعة الكراهية والثأر التى تتسع ضدهم بسبب محاولتهم جر الشارع إلى العنف، وهل يدركون أن المواطنين الآن يتساءل بعضهم وبكل براءة: لماذا لا يتم فرض حالة الطوارئ؟ بما يشير إليه ذلك من وجود استعداد نفسى لدى الشارع المصرى لقبول أى شكل من أشكال التعامل العنيف معهم من قبل الدولة، وهو ما يلقى بعبء ثقيل على المنظمات الحقوقية فى مصر التى لا يمكن وبحال فصلها عن الحالة الثورية فى الشارع المصرى ودورها الذى أصبح منذ وقت ليس بالقصير تحت المجهر، بسبب تعاظم هذا الدور وأهميته التى تزداد يوما بعد يوم، وهل يمكن لتلك المنظمات تجاوز الحالة الثورية فى الشارع المصرى المعبأ بشدة ضد تيار الإسلام السياسى الذى لم يعط منتسبوه حتى الآن أى سبب للتعاطف معهم، بسبب جنوحهم الشديد وغير المبرر لاستعداء أطياف مختلفة من المصريين يوما بعد يوم، ومحاولتهم التوجه بخطابهم دوما إلى المجتمع الدولى لا إلى الشارع المصرى، هل يمكن لتلك المنظمات أن تساعد فى صياغة استراتيجية للتعامل مع أتباع تيار الإسلام السياسى تساعد مؤسسات الدولة المختلفة على إقناعهم أن تلك ليست معركتهم الأخيرة؟ وأنهم مرحب بهم على الساحة السياسية المصرية مقابل التزامهم بقواعد اللعبة التى لا تعدو كونها إرادة غالبية المصريين للوصول إلى دولة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية بعيدا عن الرغبة فى الاستحواذ والهيمنة وفرض قناعات من قبل تيار بعينه؟ بالطبع على الدولة أن تساعد منظمات حقوق الإنسان المصرية على أن تلعب هذا الدور لتجنب مزيد من الدماء، لا سيما أنه يبدو أن أتباع تيار الإسلام السياسى إذا أصروا على مواصلة طريقهم الدموى فإن ذلك لن يؤدى إلا إلى مزيد من العنف والإقصاء تجاههم إما بواسطة الدولة بمباركة شعبية وإما بواسطة المواطنين أنفسهم.
باعتبارنا مهتمين فى المقام الأول بحالة حقوق الإنسان فى مصر نرجو أن يكون للحكومة الجديدة استراتيجية مختلفة للتعامل مع ذلك الوضع الشائك، ونرجو من عقلاء التيار الإسلامى التدبر قليلا فى رد فعل الشارع تجاه ذلك التيار بأكمله، وأن استدعاء مفردات أى حالة اقتتال «حدثت فى دول مجاورة» هو محض هراء، وأن تجاربهم فى حمل السلاح ضد مواطنيهم باءت طوال الوقت بالفشل، ولم تجن الشعوب منها إلا مزيدا من الدماء وانتهاك حقوق الإنسان ولم يجنوا هم منها إلا مزيدا من الهزائم والكراهية.