قدمت قوى الإسلام السياسى تركيا فى عهد حزب العدالة والتنمية باعتبارها النموذج الذى يمكن للإسلام السياسى أن يرسيه، قدمته باعتباره نموذجا على التصالح مع التاريخ والانفتاح على العالم من ناحية، وعلى قدرة هذا التيار على تقديم نموذج متصالح مع العالم والحياة العصرية فى الوقت ذاته. قدمت تركيا نفسها، وجاء تقديمها أيضا باعتبارها نموذجا فى التنمية الاقتصادية والديمقراطية وفق المعايير الغربية، وبالفعل فقد تمكن حزب العدالة والتنمية المنتمى إلى منظومة الإسلام السياسى والمنخرط فى التنظيم العالمى لجماعة الإخوان المسلمين، من تقديم نموذج بدا أنه يتسم بالتوازن والاعتدال، روج للمصالحة التاريخية مع خصوم العثمانية فى البلقان، والقوقاز وجنوب أوروبا، طرق بشدة أبواب الاتحاد الأوروبى فى محاولة للحصول على عضوية بدا أنها بعيدة المنال. بذل حزب العدالة والتنمية الجهد من أجل دخول الاتحاد الأوروبى، وفى هذا السياق حرص الحزب على أن يبدو فى شكل الأحزاب الأوروبية، وأن يستبدل منظومة أوروبية أكثر حداثة وعصرنة بالمنظومة القانونية التركية العثمانية من أجل استكمال متطلبات عضوية الاتحاد الأوروبى. فى هذا السياق كانت حكومة العدالة والتنمية مستعدة لتوظيف كل الأوراق من أجل الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبى، نسجت العلاقات المتطورة فى كل المجالات مع إسرائيل، قدمت أراضيها للقوات الإسرائيلية كى تتدرب وأجواءها كى تراقب وتصور ما يجرى فى إيران، وسوريا والعراق، فقد أدركت تركيا مبكرا أن الطريق إلى قلب واشنطن يمر عبر تل أبيب. واصل حزب العدالة والتنمية التصرف كحزب أوروبى، وقدم صورة للمجتمع التركى تبدو أقرب إلى صورة المجتمعات الأوروبية، فقد كان الهدف هو دخول الاتحاد الأوروبى والحصول على عضوية النادى الأوروبى، فى المقابل لم يرفض الاتحاد الأوروبى منح تركيا العضوية صراحة، لكنه كان يبعث بالرسائل من حين إلى آخر تقول إن تركيا ليست جزءا من الحضارة الأوروبية، وأنها لن تدخل الاتحاد، وهناك من عرض عليها نوعا من الشراكة أعلى من تلك التى تربط الاتحاد بالدول الأخرى غير الأوروبية وأدنى من مستوى العضوية. ويبدو أن وصول حزب العدالة والتنمية إلى استنتاج مؤداه أن تركيا لن تدخل الاتحاد الأوروبى قد أصاب قادته بقدر كبير من الاضطراب على النحو الذى دفعهم إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية التركية وجهة مغايرة، وهو ما تصوروا أنهم وجدوه فى العالم العربى، ذلك العالم الذى كان جزءا من إمبراطوريتهم الغابرة، وجدوا مع العالم العربى من الروابط ما يسمح لتركيا بلعب دور الشقيق الأكبر، النموذج والقدوة، والقائد أيضا. فى الوقت ذاته اعتقد الأتراك أن العالم العربى جسد بلا رأس، لا توجد قيادة حقيقية له، عالم غنى ولكنه منفلت، ومن ثم جاؤوا إليه كى يستغلوا ثرواته وقدراته من ناحية ويضبطوا انفلاته من ناحية ثانية، وهو ما يمكن أن يمثل ورقة ضغط فى يد الأتراك لإعادة طرق أبواب الاتحاد الأوروبى من جديد، جاؤوا إلى العالم العربى ليحصلوا على مدد يعينهم فى معركة دخول الاتحاد الأوروبى، فكانت النتيجة أنهم غاصوا فى المنطقة وأصبحوا جزءا منها ومن مشكلاتها، توترت علاقاتهم بإسرائيل، باتوا طرفا مباشرا فى الحرب الأهلية السورية، تورطوا فى دعم محمد مرسى فى مصر فلم يفرقوا بين مصر كدولة ورئيس لها تابع لجماعة الإخوان المسلمين، قدموا كل الدعم إلى الرئيس وجماعته، وعندما ثار المصريون عليه وعزلوه لم تكن القيادة التركية قادرة على التكيف السريع مع ما حدث، فتوقف أردوغان عند محمد مرسى، مؤكدا أنه الرئيس الشرعى بالنسبة له فحصد سخط المصريين وغضبهم، جاء الأتراك لقيادة المنطقة فوجدوا أنفسهم غارقين فى مشكلات المنطقة وخلاقاتها وباتت تركيا جزءا من المشكلة، بل امتدت مشكلات المنطقة إلى الداخل التركى وفرضت نفسها عليه، ومارست القيادة التركية أساليب جماعة الإخوان المسلمين فى التعامل مع المعارضة وبات الأمر محل سخرية وتندر المصريين، فقد أكثر أردوغان من الحديث عن الصناديق والشرعية وقدرته على حشد الأنصار فى مواجهة حشود المعارضة، باختصار جاءت تركيا لتقدم لنا النموذج فى التنمية والتحديث ولتقود المنطقة التى ظنت أنها جسد بلا رأس، فتهاوى نموذجها ولم يصمد طويلا وبدا أنه نموذج مشوه، حسناته ومزاياه ما هى إلا قشور زائفة على السطح، وعيوبه جوهرية قاتلة وهو ما ستكشف عنه الأيام القادمة بعد سقوط الأقنعة من على وجوه قديمة ذات عقول متحجرة.
تهاوى النموذج التركى
مقالات -
نشر:
21/7/2013 1:06 ص
–
تحديث
21/7/2013 1:06 ص