تتضارب التحليلات السياسية وتتقاطع في تفسير المشهد السياسي الذي تعيشه مصر الآن, لكن في مرحلة فارقة وحساسة، فإن تلك الاجتهادات لا تحتمل التخبط والتشتيت الذي وصل مداه من تشويش لعقل المواطن البسيط حتى يفقد البوصلة, رغم أنه بدأ للتو في إنعاش ذاكرته المستلبة منذ عقود, خاصة أن سيل التحليلات السياسية والتنبؤ بمستقبل البلاد بدا الشغل الشاغل لكل مراقب وإن اختلفت الرؤى والنوايا .
إن التناحر الحادث الآن بين الشعب بتنويعاته المختلفة وبين تيار الإسلام السياسي، وعلى رأسه الإخوان المسلمون, أربك المشهد برمته، فكثير من المحللين مازالوا يرون فيما حدث بعد 30 يونيو انقلابًا عسكريًا على الشرعية حتى وإن كان انقلابًا ناعمًا مدعومًا بإرادة ودعم الشعب له, ومن جهة ثانية فإن المشهد يتجاوز حدود المنطق، فيذهب بعض المحللين إلى أبعد من ذلك, فما تشهده اعتصامات رابعة العدوية وميدان النهضة المطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى الحكم, يخرج عن إطار التمسك بالشرعية إلى العبث بأمن البلاد في الداخل وعلى حدودها الشرقية في سيناء, فتزايد النشاطات الإرهابية في تلك المنطقة هو كارت أخير لاستنزاف وتشتيت قوى الجيش وإشاعة الفوضى وفرض الهيمنة على سيناء، لدعم مرسي ومشروعه الذي أثبتت الأيام القليلة الماضية أنه لا ينفصل عن مخطط جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمهم الدولي في فرض الخلافة الإسلامية, وربما إذا ما فشل مخططهم في الضغط على الجيش والرئاسة المؤقتة, يحاولون اللجوء إلى فرض سطوتهم على سيناء وعزلها, فقد بات الإخوان بحاجة الآن إلى التعويض من خلال سيناء وغزة, غزة من خلال التشبث بحكم حماس فيها بأي شكل وإغلاق باب المصالحة بحجة ذهاب الرئيس محمود عباس أبو مازن للتفاوض مع إسرائيل, التي بدأت تظهر ملامحها واضحة الآن في تصريحات بعض قيادات حماس بأن أبو مازن لا يمثل إلا نفسه إذا ما استؤنفت المفاوضات.
إذن، فمن خلال محاولة خوض معركة مع كل الجماعات الجهادية في سيناء والنجاح بفصلها عن مصر يكون حالها مثل حال غزة, وربما بذلك تقوم دولة الإخوان في سيناء وغزة, حيث في ظل حكم كهذا يمكن أن تتوحد غزة مع سيناء وتنفصل تمامًا عن الضفة الغربية, وهناك أطراف إقليمية لها مصلحة في هذا، خاصة إسرائيل التي أشارت أكثر من مرة إلى إمكانية إقامة دولة فلسطين في غزة مع توسيعها، في إشارة إلى عمقها الاستراتيجي سيناء .
وإذا كان البعض أيضًا يرى ما يحدث بوادر حرب أهلية, ناهيك عن التحريض الواضح في بعض المنابر الإعلامية العربية, فإن كل ما يرشح في الإعلام العربي والغربي من تحليلات وتنبؤات لا يرقى إلى مستوى الحدث الأوضح والأنبل في كل ما يمكن التكهن بحدوثه, فقد غاب عن أذهان الجميع أن الرفض الذي أعلنه الشعب المصري وأصر عليه لحكم الإخوان وسياسات التمكين لمفاصل الدولة على مدار عام كان له الكلمة الفصل, وأن كل المسميات بعد ذلك لا تخص سوى من يريد أن يراها وِفقَ هواه, وأن الحديث عن الحرب الأهلية هو أيضًا مجرد أمنية في عقول من يريد الخراب لمصر, أما مسألة انفصال سيناء عن باقي مصر فهو حلم بعيد المنال, بل مستحيل التحقق، إذ إن ما حدث في غزة لا يمكن تكراره في مصر, فالجيش المصري أدرك المخاطر التي تحيق به منذ تولي مرسي الحكم, ورأى ممارسات من مؤسسة الرئاسة كادت تُغرق البلاد, فكان من الحكمة التعجيل وتلبية مطالب الجماهير الغاضبة التي خرجت في كل مكان من أقصى البلاد إلى أدناها، معلنة إسقاط الرئيس ومشروعه الوهمي، وفي النهاية فإن إرادة الشعوب أقوى وأبقى من أي إرادة أخرى مهما كان تنظيمها أو حجتها.