من بين ما يدعو إلى التفاؤل بانتصار ثورة 30 يونيو تقدم الحقوقيين للصفوف، وعدم انفراد دكاترة العلوم السياسية بصناعة القرار، خاصة الذين درسوا الإسلام السياسى، وكان هذا التيار موضوعاً لرسائلهم العلمية للماجستير والدكتوراه.
نعم، لا شك أن الإسلام السياسى تيار حقيقى، فى الواقع، وفى مصر، كما فى دول كثيرة أخرى من ذات الأغلبية من المسلمين، ومنذ عقود طويلة. ولكن الاستغراق فى تفاصيل تاريخ هذا التيار يؤدى، عند بعض دارسيه، إلى درجة من التماهى تجعله يعتقد أنه ليس مجرد تيار من التيارات، وإنما التيار الغالب الذى لا يذوى مهما حدث.
وهذا ما يفسر موقف الذين من يشغلهم مصير «الجماعة» بعد 30 يونيو، وكأنه «أولوية»، وهل تراجع نفسها حتى تسترد الشعبية التى فقدتها، أم تستمر فى ممارسة العنف وتفقد المزيد؟ وهذا ما يفسر موقف من يحرصون على «التصالح» مع الجماعة، ويجعلون منه أولوية، تحت دعوى المصالحة الشاملة، وعدم إقصاء أى فصيل سياسى. والمهمومون بهذا الأمر، بغض النظر عن النيات التى لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، يبدون «ملكيين أكثر من الملك»، فهم يقولون ذلك فى الوقت الذى تزداد فيه شراسة «الجماعة» وممارستها العنف بكل معنى الكلمة، وكأن ضحاياهم ليسوا من مواطنى مصر.
30 يونيو رفض شعبى واضح لحكم جماعة الإخوان، وكل الإسلام السياسى، أى ربط الدين بالسياسة، فى مصر، وفى كل الدول التى صعد فيها هذا التيار مستغلاً تمسك المسلمين بدينهم، كما يتمسك كل إنسان بدينه. دم مواطن مصرى واحد أهم من مصير الجماعة ومصير الإسلام السياسى، ومن أى تيار سياسى، وتأييد الجيش للشعب فى الحيلولة دون وقوع حرب أهلية فى مصر، كما حدث فى بلاد أخرى، عربية وغير عربية، أعظم ما قام به الجيش المصرى طوال تاريخه. 30 يونيو على الطريق الصحيح، وها هى حكومة مدنية تحكم مصر، وكلها من خبراء مشهود لهم عربياً ودولياً، من مختلف التيارات السياسية، من الرجال والنساء، ومن المسلمين والأقباط، ومنهم سبعة من حكومة الرئيس السابق مرسى. إنها حكومة وحدة وطنية بامتياز، وتستهدف بوضوح المصالحة وعدم إقصاء أى تيار سياسى، على أن يكون سياسياً، ولا يخلط الدين بالسياسة. وبالله عليكم، لا تقولوا إنها حكومة «مؤقتة» وعمرها قصير حتى وضع الدستور الجديد، فكل وزير يجب أن يعمل وكأنه مستمر أبداً، وكل وزير ينجح يجب أن يستمر قبل الدستور الجديد وبعده. مصير الوطن أهم من مصير «الجماعة»، وأى جماعة.