أحملق فى الصورة، أين الوجوه المشرقة التى رأيتها تمتد إلى خط الأفق من أسوان إلى الإسكندرية؟ والعيون التى تشع بريقا يخطف البصر؟ والأصوات التى ترن فى الجو كالموسيقى؟ الحرية، العدالة، الكرامة، المساواة، الجمال، الحب، الإبداع ؟
أتأمل الوجوه فى الصورة، لماذا تغضنت البشرة وتهدلت عضلات الوجه؟ لماذا أصبحت العيون مطفأة تميل للصفرة تعلوها تكشيرة؟
لماذا لا أرى ابتسامة واحدة؟ لماذا أصبح الجميع من الجنس الأعلى الواحد، وعمرهم يكاد يكون واحدا، لا يمت بصلة إلى نضارة الثورة وحماستها وإشراقتها وبساطتها وتلقائيتها؟
أين الشباب فى العشرين والثلاثين والأربعين بل والخمسين الذين صنعوا الثورة منذ عامين حتى اليوم؟
وتبحث عيناى عن الجنس الآخر المغضوب عليه دنيا وآخرة منذ حواء الآثمة؟ أخيرا وبعد إرهاق البصر أعثر على ثلاثة رؤوس لا تكاد ترى فى الصف الأخير، تطل رؤوسهن بمشقة من وراء الرؤوس الضخمة المربعة والأجساد الطويلة المستطيلة، يمددن أعناقهن بصعوبة لتطفو بالكاد فوق الماء، كالغارقات فى بحر من الذكور؟
لماذا يتبدد حلم الثورة بهذه السرعة فى كل مرة؟ لماذا يتكرر المشهد الحزين بهذا الإتقان منذ فبراير ٢٠١١ ويوليو ٢٠١٣؟ وما قبلهما وما بعدهما؟
خمسة وثلاثون رجلا وثلاث نساء أو أربع، كانت هناك وزيرة رابعة، ارتدت الزى الرسمى وكانت فى طريقها لأداء اليمين، حين دق جرس الإنذار، ذوو اللحى السوداء الطويلة المهيبة، انطلق شرر من عيون حمراء لا هم لها إلا التقاط الأنثى بالمنظار، وإن تنكرت فى البدلة الوزارية الرسمية.. صاحوا بذعر: وزارة النساء؟
المنظار فوق عيونهم له عدسة سحرية يرى المرأة الواحدة عشرة رجال، أصبحت الأربع نساء أربعين امرأة مقابل خمسة وثلاثين رجلا، ياللهول!! سوف تسقط السماء على الأرض وتقوم القيامة، سوف يزول النظام الذكورى الأبوى الذى هو نظام السماء منذ الأزل وإلى الأبد، وإن زال هذا النظام المقدس فكيف يطلق الرجل منهم زوجته حين يشاء دون سبب، أو لنزوة جنسية، فيفتح فمه قائلا: طالق ثلاث مرات، فتصبح زوجته فى الشارع مع أطفالها، وكيف يتزوج الرجل منهم أربع نساء حين يشاء لمجرد الشهوة أو الاستغلال أو مجرد الزهو بذكورته وأملاكه الحريم، وكيف يرفض الأب نسب أولاده إليه حين يشاء لمجرد الانتقام من زوجته أو طليقته.
وكيف يحق له أن يؤدب زوجاته بالضرب المبرح أو غير المؤدى إلى عاهة مستديمة، لمجرد أن يفرض عليهن طاعته العمياء، وإن زالت سلطة الرجل المطلقة هذه فكيف يكون رجلا؟ هل تنتهى الرجولة وتحكمنا النساء؟ أليس هذا هو نهاية العالم البشرى؟
الوزيرة التى تم استبعادها كانت ستتولى وزارة الثقافة، وهنا الخطورة فى نظر السلفيين، يعرفون أهمية وزارة الثقافة، يعرفون أن الثقافة تفتح عقول النساء على الحرية والعدالة والكرامة والفن والجمال والإبداع، وإذا انفتحت عقول النساء فسوف تنهار سلطة الرجل المطلقة المستبدة فى البيت والعائلة والدولة والعالم، المرأة فى نظرهم كائن معدوم الرأس والوجه (منتقبة) مملوكة للرجل ملكية خاصة دنيا وآخرة، وهو مملوك لنفسه يمتلك ما يشاء من النساء والماشية.
وزارة الثقافة والتعليم والإعلام فى نظر السلفيين أهم من وزارات الاقتصاد والمالية والخارجية، لأنها تتعلق بالعقل وفتحه أو غلقه، لكن الأحزاب الليبرالية والاشتراكية واليسارية تضع التعليم والثقافة والإعلام فى الصف الأخير مع المرأة. الحزب السلفى لا شك أكثر ذكاء من الأحزاب المدنية أو العلمانية أو العلمية أو ما يسمونها الديمقراطية.