إن أحد المكتسبات المؤكدة للثورة، من وجهة نظرى، هو إدراك المصريين مدى احتياجهم للفرح. فمن يتأمل موجة 30 يونيو الثورية يدرك أنها- بعيدا عن مناطق المصادمات مع الإخوان- اتسمت بقدر كبير من الفرح. فبالإضافة إلى مشاعر الغضب والتحدى والقلق، تظل الفرحة سمة مميزة لوجوه الناس فى الميادين. كما عكست التظاهرات جوا احتفاليا فامتلأت بالأغانى واليافطات الذكية والخرفان الفرو الصغيرة.
إن إحدى أفظع الجرائم التى ارتكبها نظام مبارك- كما كل الأنظمة الفاشية- هو إغراق المصريين فى حالة اكتئاب جماعى. يعنى عمرك شفت مثلا نظام فاشى وفاشل يتمتع شعبه بالحياة، فترى الناس يملأون الحدائق العامة، ويعزفون الموسيقى ويغنون فى الشوارع؟
وبعد أن نجحت الخطة لثلاثين عاما، صحونا ذات صباح منذ عامين ونصف وأدركنا أننا عطشانين فرح، وأن الجفاف قد أصابنا ونقلونا إلى مستشفى حكومى غلبان لا يملك لنا علاجنا. ولكننا فى الثمانية عشر يوما الأولى للثورة صنعنا معا الترياق السحرى. كان الشعور بقوة الجماعة التى يجمعها النضال من أجل الحياة دواء. وكان الرقص والغناء والنكات وارتفاع الصوت عاليا بالهتاف دواء. وكانت دوائر المحبة التى طوفت بين الناس دواء. انتبه النظام الفاشى إلى المصيبة التى تحدث وكان لابد أن يدافع عن نفسه ضد فيروسات الفرح القاتلة. وبناء عليه توالت الضربات منذ 11 فبراير وانت طالع. لجأوا إلى تشتيت الجماعات بالانقسامات وبالجدل المطاطى الذى أدخلنا «الحوارى المزنوقة»، شطبوا الصورة الملونة من على الحيطان وقطعوا هدوم النساء وقتلوا الشباب. وكانوا يرفعون شعارهم «الفرح ممنوع والزعل مرفوع».
وقد وصل كريشندو المرمطة إلى ذروته بتدشين حكم جماعة الإخوان وأخواتها. ومن أشد عداء للحياة منهم؟ وبكل همة وحماس بدأوا يبثون سموم الإقصاء والتهديد والتكفير وكراهية الفنون والتخطيط لفتن! وثار الشعب ضد البغى والظلم، كما ثار أيضا من أجل حقه فى الفرح الذى هو مرادف لأهداف الثورة.
وفى ظل ما سبق، أستطيع أن أؤكد للحكومة الحالية- ربنا يوفقها ويعينها علينا- أننا لن نتنازل عن حقنا فى الفرح، وهو ما يستدعى خطة إنقاذ عاجلة تتضمن بالإضافة إلى تأسيس دولة القانون وبناء المؤسسات ودعم قيم الدولة المدنية الحديثة وتحقيق مطالب العدالة الاجتماعية، توفير حدائق عامة ومساحات مفتوحة تتيح للشعب أن يستمتع، واتركوا لنا إقامة كرنفالات رقص وغناء فى ساحات وميادين مصر. كما لزم التحذير أن أى محاولة لسرقة فرحتنا سوف تقابل بما يليق بها من قِبل شعب ذاق بعد حرمان طعم الفرح.