قصيدة قديمة للمبدع الجميل الحاضر معنا على الدوام عمنا صلاح جاهين، قالها قبل نصف قرن ليسخر من موقف تركيا، وهى تتآمر على العالم العربى لصالح الأمريكان، ولخدمة حلف «الناتو».
تذكرتُ قصيدة «تركى بجم»، وأنا أتابع حالة الهوس، وفقدان الأعصاب التى أصابت رئىس وزراء تركيا أردوغان وزملاءه فى حكم تركيا بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر.
تحدثنا قبل ذلك عن الصدمة التى كان لا بد أن يصاب بها رجل راهن على التحالف مع «الإخوان»، وكان سمسارًا لعلاقتهم مع أمريكا والغرب، ورأى فى دوره هذا تعويضًا عن رفض أوروبا انضمام بلده لعضوية «الاتحاد الأوروبى»، وطريقًا لتعزيز النفوذ التركى فى المنطقة العربية ليعيد مجد الماضى تحت شعار «العثمانية الجديدة»، وكأن ملايين العرب تشتاق إلى هذه الفترة المنحطة فى تاريخها، التى وقعت فيها تحت حكم العثمانيين وعانت من مجازرهم!
وكنا نتصور أن العقل سيعود بعد زوال الصدمة، وأن أردوغان وأعوانه سيدركون أن رهانهم كان خاسرًا من البداية، وأن قرار مصر لن يكون إلا فى يد شعبها الذى خرج بالملايين فى 30 يونيو ليسقط حكمًا عادى الديمقراطية وأساء للإسلام وقاد مصر إلى حافة الهاوية!
لكن يبدو أن مخاوف الرجل تزداد يومًا بعد يوم، وربما كانت إشارة وزير خارجيته «داود أوغلو» إلى نظرية «الدومينو المعاكس» هى بعض دلالات هذه المخاوف، فالأخ أوغلو وهو مهندس السياسة الخارجية لتركيا وصاحب نظرية «العثمانية الجديدة» يعلن عن مخاوفه من أن ما حدث فى مصر لن يكون حالة استثنائية، وكما تتابعت الثورات فى «الربيع العربى» وفقًا لنظرية «الدومينو» حيث يكون سقوط أول حجر هو البداية لسقوط باقى الأحجار، فإن الأخ «أوغلو» يدرك أن سقوط الإخوان فى مصر سيتبعه سقوطهم فى باقى الدول العربية.. وبالطبع لا يقول إن ما يخشاه هو سقوط الرهان التركى ونهاية وهم «العثمانية الجديدة»!
ويبدو الآن أن مشكلة أردوغان ومعاونيه تتفاقم، خصوصًا مع المخاوف من تأثير ما يحدث فى مصر على تركيا نفسها وعلى مصير أردوغان الذى أصبح يواجه معارضة داخلية تتعاظم يومًا بعد يوم. تزداد عصبية أردوغان وهو يرى أمريكا تراجع موقفها، وتعلن على لسان وزير خارجيتها إن تدخل الجيش فى مصر منع الحرب الأهلية، رافضًا وصف ما حدث فى مصر بأنه انقلاب، وتتضاعف عصبية أردوغان حين تفشل كل الجهود التى بذلها لدى الاتحاد الأوروبى الذى أرسل مفوضة الشؤون الخارجية «آشتون» للقاهرة فى اعتراف صحيح بالأوضاع الجديدة بعد ثورة 30 يونيو التى أطاحت بفاشية الإخوان.
وكما أصبح الإخوان فى مصر مجرد جماعة معزولة تواجه شعبًا بأكمله، يصبح الموقف التركى متفردًا فى عدائه لإرادة شعب مصر وتدخله فى شؤونها الداخلية، وهو أمر لا يزعجنا مطلقًا، بل يؤكد لنا أننا على الطريق الصحيح لاستعادة مصر موقعها وإرادتها المستقلة ودورها المفتقد لتعزيز إرادة عربية موحدة تدافع عن أمن واستقلال الأمة العربية وتوقف التدخل الأجنبى والإقليمى فى شؤونها.
نعرف أن ذلك يزعج الكثيرين ومنهم الأخ أردوغان الذى يعرف أنه خسر الكثير بسقوط حلفائه فى مصر، وبسقوطهم المنتظر فى أقطار أخرى، ثم بمطالبته من شعبه بأن يدفع ثمن مؤامراته الفاشلة ودعمه قوى الإرهاب فى المنطقة.
لهذا نتفهم الحالة الهستيرية للأخ أردوغان، ولهذا نعذر أيضًا ميليشيات «الأناضول» فى القاهرة، التى تضم شركاء المؤامرة وسماسرة البيزنس والإعلام، لهم العذر حين يفقدون أعصابهم وهم ينتظرون ساعة الحساب!