ربما يكون من غير المفيد عن تعديل فى الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المؤقت، الأسبوع الماضى، يبدوا واضحا أن فضيلة الرجوع إلى الحق لا يتحلى بها من يحكمون حتى لو كان وجودهم مؤقتا. القوى السياسية الليبرالية التى كان من المفترض أن تنتفض مطالبة بإعلان دستورى يضمن حريات أكثر، ويقلص من الاختصاصات الفرعونية للرئيس، قبلت أن تُقسم اليمين على احترام هذا الإعلان وتشارك فى الحكم على أساسه. فكرة الجوع إلى الحكم فكرة مقبولة فى بلد كمصر لم تكن القوى المعارضة فيه تحلم حتى بأن تشارك فى الحكم لا أن تتسلمه كاملا، ولكن فكرة المشاركة فى الحكم بأى ثمن فكرة جديدة على قيادات كنا نظن أنها لن تقبل أن تشارك إلا فى ظل إعلان دستورى تكون درجة الحريات التى يصونها تفوق بمراحل حقبتى مبارك ومرسى معا. لم أهضم أبدا أن يوافق البرادعى على أن يكون نائبا لرئيس الجمهورية المؤقت للشؤون الدولية، كنت أتصور أن سنينا من العمل موظفا كبيرا فى الأمم المتحدة سوف تجعله يترفع عن أى وظيفة أخرى، تصورت البرادعى رئيسا للجمهورية، أو على الأقل رئيسا للوزراء بصلاحيات كبيرة، المرء حيث يضع نفسه، وافق أن يكون مجرد نائب لرئيس مؤقت يدير ملفا تديره بالأساس وزارة كاملة اسمها وزارة الخارجية، تعرف بالقطع عن الملف أكثر بكثير مما يعرفه. ذكرنى موقف البرادعى بموقف القاضى الجليل محمود مكى، الذى قبل أن يكون مجرد نائب للرئيس محمد مرسى دون صلاحيات حقيقية وفى النهاية خسر كل شىء بما فيه منصبه القضائى الرفيع. سحر المنصب لا يمكن مقاومته، والمثل الشعبى الشهير «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه» لم يصبح جزءا من الماضى بعد. الدكتور حازم الببلاوى، رفيق المفكر الكبير سعيد النجار وتلميذه، الذى عمل لسنوات طويلة فى الأمم المتحدة وصندوق النقد العربى، كيف قبل منصبه فى ظل إعلان دستورى يجعله هو ووزراءه رفيعى المستوى مجرد سكرتارية لرئيس مؤقت جاء إلى منصبه بحكم الصدفة. لو كانت المظاهرات ضد مرسى قد بدأت فى الأول من يونيو لكان الرئيس المؤقت اليوم هو المستشار ماهر البحيرى. الأكثر إحباطا هو ذلك العدد الكبير من الوزراء فى دولة تقول إنها تعانى ترهلا بيروقراطيا وأزمة مالية طاحنة. تتضمن الوزارة الجديدة ٣٤ وزيرا، من بينها وزارات كان يمكن التخلص منها بالدمج كخطوة تشجع على الإلغاء كالإعلام والبيئة والشباب والرياضة والتخطيط وغيرها، كان يمكن دمج التخطيط مع المالية، والبيئة مع الصحة، والثقافة مع الإعلام. الطريف فى الأمر أنه من المفترض أن تكون تلك الوزارة مؤقتة أى لها هدف واحد هو إعداد الدولة للاستفتاء على التعديلات الدستورية التى سينفرد الرئيس المؤقت باختيار لجنة الخمسين التى ستعتمدها، ثم الذهاب إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، الأمر أهون من كل هذا العدد من البيروقراطيين. ببساطة نهج الرئيس مبارك فى ترضية الأنصار لايزال صالحا للعمل، أنجب الرجل الكثير من الأبناء والمثل يقول: «اللى خلف ما متش».
اللى خلف مامتش
مقالات -