كثيرة جدا هى الأسباب التى أدت إلى تنامى الاحتجاجات الشعبية والتجاوب الواسع مع «حملة تمرد» التى استهدفت سحب الثقة من محمد مرسى وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وفق القواعد الديمقراطية، فقد افتقد مرسى وجماعته وسلطته مشروعا لحل الأزمات المتفاقمة ورفضوا تحقيق شراكة وطنية لتعبئة طاقات الشعب من أجل إنقاذ البلاد، ولم تمض ِشهور قليلة على تنصيب سلطة «الإخوان» فى ظروف غير طبيعية بأى حال حتى أصبح واضحا لأعداد متزايدة من المصريين أن المشروع الوحيد لهذه السلطة هو الهيمنة الكاملة على الدولة، واتهام كل من يعارضها بالتآمر عليها، وحاولت سلطة «الإخوان» تكميم الأفواه الجائعة للخبز أو للحرية بدعوى أنها لا تستطيع «العمل» إلا فى هدوء، فلم تتوقف عن مطالبة الشعب بالهدوء دون أن تقدم أى مبادرة تضع حدا لفشلها، وظلت تتذرع بوجود احتجاجات واضطرابات لتبرير ضعف أدائها وفشلها المستمر على مدى عام كامل، ومن بين شماعات عدة سعت هذه السلطة إلى تعليق ازدياد التدهور الاقتصادى والاجتماعى والأمنى عليها، كانت شماعة عدم الاستقرار هى الأساس فى خطابها السياسى.
وبدأ استخدام هذه الشماعة بعد انقضاء المائة يوم الأولى فى فترة رئاسة مرسى، رغم أن الاحتجاجات والاضطرابات كانت فى أدنى معدلاتها خلال تلك الأيام. فلم تشهد مصر هدوءاً، منذ منتصف مارس 2011 حين بدأ الأمل فى تحقيق أهداف الثورة يتبدد، مثل ذلك الذى توفر خلال المائة يوم الأولى فى حكم مرسى و«الإخوان». فقد اقترن إسقاط الرئيس الأسبق حسنى مبارك بثورة توقعات اجتماعية كبيرة أخذت فى الازدياد. ورغم أن شيئا لم يتحقق حتى الانتخابات الرئاسية، فقد تراجعت الاحتجاجات المترتبة عليها بمعدلات قياسية بعيد هذه الانتخابات أملاً فى أن يؤدى وجود رئيس منتخب إلى البدء فى إنجاز ما لم يتحقق بعد ثورة 25 يناير.
غير أنه كان من الطبيعى أن يتجدد التعبير عن هذه المطالب عبر أساليب الاحتجاج المختلفة من إضراب واعتصام وتظاهر تجددا بمعدلات متزايدة تدريجيا بعد المائة يوم الأولى التى تعهد مرسى بتحقيق إنجازات معينة فى خمسة مجالات أساسية خلالها.
فكان السبب الأساسى وراء تجدد الاحتجاجات وازديادها على هذا النحو هو الشعور الواسع النطاق بخيبة الأمل فى أداء الرئيس السابق وسلطة «الإخوان»، ليس فقط لأن ما وعد به فى المائة يوم الأولى لم يتحقق شىء منه ولكن لأنه لم يطرح أى برنامج أو خطة عمل مفصَّلةً لوقف التدهور، ولم يقدم ما يعيد الثقة المفقودة فيه، وتصرف بطريقة مغايرة تماما لما كان الشعب ينتظره من أول رئيس منتخب.
ورغم أن سوء أداء سلطته هو الذى أدى إلى تصاعد الاحتجاجات والاضطرابات، فقد وجدت هذه السلطة فيها ذريعة مصنوعة لتبرير الفشل. فكان الابتكار الوحيد لهذه السلطة، التى سارت على نهج نظام مبارك، هو اختراع ذريعة لا يعرف العالم مثلها ولم تلجأ إليها حكومة فاشلة من قبل، وهى أنها لا تستطيع أن تعمل إلا فى هدوء تام!!
وهذا اختراع جد عجيب لأن المطلوب من أى سلطة هو معالجة أزمات تواجه البلد الذى تحكمه وحل مشاكل الشعب من خلال التفاعل معه فى مختلف الأحوال. ولا علاقة لواجب السلطة هذا بهدوء الأوضاع أو صخبها، أو بتوفير الاستقرار من عدمه. فالحاجة إلى دور السلطة وفاعليته تزداد حين يكون الوضع غير مستقر، وكثير من فئات الشعب لا تشعر بالرضا. فالرئيس ليس فيلسوفاً يحتاج إلى الهدوء ليتفلسف، ولا عالماً يريد سكينة فى معمله لإجراء تجاربه وإنجاز بحثه.
ففى السياسة والمجتمع، لابد أن تؤدى السلطة واجبها تحت أى ظرف. ولا يجوز لها أن تربط هذا الواجب بأى شروط إلا إذا لم تكن قادرة على أدائه، وتريد شماعة تعَّلق عليها فشلها. فالقادر على الإنجاز ينجز فى مختلف الأحوال. وإذا تذرعت السلطة بالحاجة إلى الهدوء، فاعرف أنها تريد أن تحكم شعبا من الموتى لكى تهيمن على الدولة ومؤسساتها دون إزعاج أو رد فعل من أى نوع، ولسان حالها يقول: «دعونا نتمكن من دولتكم فى هدوء» ولكن الشعب المصرى أثبت مرة أخرى أنه حى وقادر على استرداد حقوقه، ومنها الحق فى انتخاب رئيس يعمل معه لحل مشاكله وإنهاء معاناته.