هل ثار المثقفون قبل خمسة أسابيع ضد وزير الثقافة الإخوانى علاء عبد العزيز من أجل أن يعود إليهم وزير الثقافة السابق الراقص على كل الأحبال صابر عرب؟ لو كان ذلك صحيحا فما أتعسها من ثورة.
تعرض الفضائيات مسلسلا كوميديا رديئا اسمه «الرجل العناب» يتحدى «سبايدر مان» مدعيا أنه مثله يطير فى الهواء، بينما نشاهد على أرض الواقع مسلسلا أكثر سخافة وهو «الوزير العناب»، الذى يفرد جناحيه طائرا مع كل الأنظمة، شاهدناه فى أثناء الحكم العسكرى ضابطا موجته تماما على القيادة العسكرية ثم استقال لأنه كان ينتظر جائزة الدولة التقديرية، وذلك حتى لا يجد نفسه مطلوبا تحت طائلة القانون لو تسلم 200 ألف جنيه قيمة الجائزة وهو لا يزال وزيرا، جاء مرسى وتشكلت حكومة إخوانية فضبط موجته مجددا على الإخوان، فهو يجيد اللعب فى نفس الوقت مع المثقفين ومع الإخوان، يضرب شقلباظا هنا وشقلباظا هناك، واستقال فى أعقاب مظاهرات «الاتحادية» واعتقد البعض أنه يثور من أجل الوطن، وردد بعضهم «عفارم عليك يا صابر»، ولكنه لم يصدر بيانا يوضح فيه سبب الاستقالة التى تراجع عنها وعندما يسألونه عن السبب يقول أحتفظ بالإجابة لنفسى، دائما يترك مساحة لكل طرف لكى يوهمه أنه يقف فى خندقه، عندما قاطع عدد من المثقفين حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائى فى العام الماضى لأنه طبع مسودة الدستور الإخوانى استطاع بعد بضعة أيام دعوة بعضهم فى لقاء لتصل الرسالة للرأى العام أن لديه قطاعا بين المثقفين يؤيدونه.
إنه الوزير الاستبن، عندما مورست ضغوط على إيناس عبد الدايم دفعتها إلى الاعتذار عن المنصب، كان هو منتظرا فى بدروم الدولة متحينا الفرصة، لقد أجبر السلفيون إيناس على الاستقالة بعد أن هددوها بإشعال البلد، فقررت كما ذكرت فى أكثر من موقع إخبارى أن تضحى بالوزارة لإنقاذ البلد، لا أتصور أن تلك فقط هى الحقيقة ولكن داخل النظام الذى يقوده المستشار عدلى منصور هناك أصوات هى التى طلبت منها ذلك، حتى لا يغضبوا السلفيين ووقفت الدولة كعادتها فى المنطقة الرمادية، فجاؤوا بوزير لا طعم ولا لون ولا رائحة.
عدد من المثقفين اجتمعوا أول من أمس فى وزارة الثقافة وقعوا بيانا ضد بقاء صابر فى الوزارة وقبل إصداره بلحظات، قال لهم الأديب الكبير بهاء طاهر والأب الروحى للمعتصمين إنه تلقى اتصالا هاتفيا من صابر قبل ساعات قليلة وقال له «لو المثقفين مش عايزنى أنا ح استقيل فورا»، وسألهم فقالوا له بالإجماع نرفضه قول له يستقيل، اتصل به بهاء أمامهم جميعا وخفف فقط العبارة فقال له «كل المجتمعين يريدون عودة إيناس» فتنصل صابر من وعده وقال له «معلهش حلفت اليمين».
أؤكد لكم أنه سوف ينجح فى التحايل على عدد آخر من المثقفين وجزء منهم لن يوقع على البيان الجديد حتى لا يضر بمصالحه مع صابر، الروح الانتهازية عند بعضهم سوف تحرك المؤشر تجاه المكسب، صابر باعتباره موظفا قديما يعرف مفاتيحهم ويقتنص الفرصة ويمنح مكافأة للبعض فيضمن ولاءهم. عديد من المثقفين يتطلعون إلى الأوراق التى فى حوزة الوزير، وهناك من ينتظر جوائز الدولة وهم كثر، عديد منهم سوف يفكرون ألف مرة هل لصالحهم أن يخسروا الوزير الذى يشغل أيضا موقع رئيس المجلس الأعلى للثقافة، فهو يضمن لهم من خلال موظفيه أن يحصلوا على الجائزة ولهذا فسوف يفكرون ألف مرة قبل التوقيع على بيان ضده، هناك أيضا قيادات المهرجانات الفنية الذين ينتظرون الدعم من الوزارة لن يجازفوا بالتوقيع فيتعرضون للتضييق، عدد من الكتاب طموحاتهم لا تتجاوز أن تطبع الدولة لهم كتابا أو مجموعة قصصية أو يرشحوا فى لجنة، الوزير يعرفهم جميعا ويدرك كيف يتمكن من اللعب معهم وعليهم. حتى الصحافة ستصبح فى الجانب الأكبر منها تبرئ ساحته كوزير.
إنه الوجه الانتهازى للمثقفين فلقد كانوا يدركون أن فاروق حسنى يدافع عن فساد مبارك ويمهد المجتمع لتقبل التوريث، وعلى مدى ربع قرن أدخلهم الحظيرة فلم يثوروا ضده، وكانوا يعلمون أن صابر عرب جاء به العسكريون وبعدهم الإخوان لتنفيذ سياستهم وتعاملوا معه بأريحية منقطعة النظير، بعضهم فيهم شىء من صابر، لايق عليهم ولايقين عليه!