أخيرا استيقظ الشعب من سباته العميق، وأدرك الحقيقة الخبيثة المرة بجوانبها المختلفة.
أدرك أن ماما أمريكا لا تحبه، وأن سعادة المواطن المصرى لا تهمها، وأن دفاعها عن الديمقراطية تمثيلية رخيصة، كما فهم أن هاجسها هو أساسا ضمان أمنها القومى والاقتصادى، وأنها من أجل ذلك مستعدة للتحالف مع الشيطان. فلا عجب لو ساندت أمريكا المشروع الإسرائيلى بتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات دينية أو عرقية تحارب بعضها البعض حتى تعيش إسرائيل فى سلام، أليست إسرائيل رأس حربة أمريكا فى المنطقة؟!
كما اكتشف الشعب سبب الألفة الحميمة بين أمريكا وإسرائيل، من ناحية، ومنظمة الإخوان المسلمين الكونية، من ناحية أخرى: فرغم اختلاف الطرفين فى الهدف بعيد المدى لكل منهما إلا أنهما يتقابلان تماما فى الأسلوب الكفيل بتحقيقه، ألا وهو تفتيت المنطقة، سواء إلى دويلات دائما متحاربة أو إلى ولايات دينية خاضعة للسلطان الأعظم.
هذا فى ما يتعلق بتقسيم المنطقة. طيّب والمسيحيين؟ ماذا نعمل بهم أو من أجلهم؟ هنا أيضا ندرك حلاوة التوافق التام بين الحليفين (أى بين الولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية، والإخوان من ناحية أخرى). لا تندهش: اتفق الطرفان هنا على ذات الحل مع اختلاف بسيط فى الأسلوب والتعبير، أى: سواء بالرحيل إعمالا لرغبة التيار الإسلامى المتشدد أو بالتهجير إنقاذا من الحروب المخطط لها، وفى ذات الوقت تخديرا لضمير الأمريكان الأمامير: أى فى كلتا الحالين بتفريغ المنطقة من مسيحييها.. عظيم!
لدىّ أدلة ناطقة على خطة أمربكا فى هذا المجال أذكر منها واقعتين: الأولى عام 1957 أو 1958 أى منذ 56 سنة تقريبا عندما فاتحنى عديلى الفقيه القانونى الدكتور سليمان مرقس فى أمر خرافى الشكل، فقد دعينا إلى اجتماع سرى لشخصيات مسيحية مع «مبعوث أمريكى مهم» أتى خصيصا إلى مصر لحث الأقباط على الهجرة إلى أى بلد يختارونه فى إفريقيا أو فى أمريكا. تشاورنا معًا، الدكتور سليمان وأنا، وقررنا عدم تلبية هذه الدعوة المشبوهة والسخيفة. وهذا خطأ سياسى جسبم ارتكبناه وندمنا عليه: من ذا الذى يدعونا إلى ترك بلدنا؟ وما مصلحة أمريكا فى هذا؟
أما عن الواقعة الثانية فقد حدثت فى لبنان، حيث قابلت فى نهاية ديسمبر 1982 بعض الأقطاب السياسيين أذكر منهم الوزير السابق إدوار حنين سكرتير الجبهة اللبنانية، وفؤاد بستانى، العضو بها والمتخصص فى العلوم الإسلامية، اللذين أكدا لى أن المستر براون، المندوب الشخصى لرئيس الولايات المتحدة، قد قال الآتى لزعماء الجبهة: «ليس للمسيحيين مستقبل فى الشرق الأدنى. اتركوا بلادكم واختاروا ما يروق لكم من بلاد فى أمربكا الشمالية أوأمريكا الجنوبية، ولدىّ ما يسهل لكم هجرتكم إليها». قد يكون ذلك السبب الرئيسى فى نشوب الحرب الأهلية هناك (1982 - 1996).
يا للعجب! مخطط من هذا العيار تم توزيعه عالميا عام 1982: كيف ولماذا لم يع به شعبنا إلا فى الفترة الأخيرة؟ لماذا لم يهيئنا حكامنا السابقون ذهنيا ونفسيا لمواجهته على مستوانا؟ انظر حولك فى المنطقة كيف يتحقق الحلم الشيطانى فى بلاد مختلفة بمعرفة حكوماتها وشعوبها وأحيانا دون إدراكها تماما بما يحدث.
أعتقد أن سبب الانفصام العام بين الحكام والشعوب فى المنطقة يعود إلى الأنظمة الحاكمة ذاتها، فهى عموما مطلقة سواء نظاما أو دينا. والحاكم المطلق ينظر إلى شعبه من عل. وعلى كلٍّ، فالحاكم باسم المطلق لا يتحاور مع الشعب، لأنه نسبى، ولأنه هو الذى يقتنى الحقيقة فى كل أمر (ارجع إلى مقالات الدكتور مراد وهبة فى «الأهرام» وفى «المصرى اليوم»).
إلا أن شعبنا، الذى أبهر العالم مرتين، قد استيقظ فعلا وأفاق تماما والحمد لله فى صحوة ناضجة متحضرة لا يلطخها بالوحل والدم إلا إخوتنا فى المواطنة سجناء وضحايا الأصوليين المتشددين. وكم فرحنا عندما رأينا رئيس الدولة يستمع إلى آراء شبابنا ضمن من يستشيرهم فى عملية بناء المستقبل!
هنيئا لشبابنا وهنيئا لشعبنا عموما، فقد أثبت جدارته وجديته ونضجه. أصبح الآن أهلا ليشاطر الحاكم فى دراسة المشروع المفضوح وفى رسم أساليب وخطوات مواجهته. ولا يحفى على أحد أن صندوق المعونة الأمريكية عامل هام فى المعضلة. أى باختصار: كيف نتخلص من عبودية الإعانة؟
ويهمنا أن نؤكد ضرورة إدراج الموضوع فى أجندة الحوار الوطنى بين الحكومة والشعب، وإدراجه أيضا ضمن أولويات البحث فى الأحزاب السياسية أيا كان اتجاهها، هذا وذاك مع الأخذ فى الاعتبار أن أمريكا فى حاجة إلى مصر استراتيجيا أكثر بمراحل من احتياج مصر إليها.
أخيرا لى مناشدة حارة أوجهها للرئيس باراك أوباما: «مستر برزيدنت، لا تنس أن مبادئ الدستور الأمريكى مستلهمة من الدين المسيحى الذى يحرم القتل وفكر يا ابنى (أنا زى والدك) فى الانتخابات القادمة التصق بالدستور وسيبك من جماعة ال «سى. آى. إيهى لأن دول ناس نفعيين ما عندهمش لا قلب ولا ضمير، شوية زى طنط أن باترسون، وربنا يوفقك فى هذا الطريق المستقيم