المتابع للمشهد السياسى بعد الموجة الثانية من ثورة 25 يناير 2011 فى 30 يونيو 2013- سوف يتكشف له أن الثوار الذين صنعوا الثورة فى الموجتين لم يصلوا إلى السلطة، والذى تسلم السلطة فى الموجتين قيادات شاخت، ولم تكن أبدا على مستوى لحظة الثورة التاريخية، لذلك اتسمت بالبطء والتردد وعدم اليقين بالثورة كفكرة وكمشروع للتغيير الشامل، ومالت أكثر إلى المهادنة والمواءمة والتوفيق الذى يصل إلى التلفيق الإصلاحى، ونجد ذلك واضحا فى اختيار مستشارى الرئيس المؤقت، باستثناء د.مصطفى حجازى، حيث لا يعلم أحد أسباب الاختيار ولا على أى أساس تم! ويرجع ذلك فى ظنى لعدم امتلاك رؤية واضحة للمرحلة التاريخية التى تمر بها الثورة.
لذا كان من الطبيعى أن يخرج علينا الرئيس المؤقت بإعلان دستورى تلفيقى واستبدادى ترفضه معظم القوى والهيئات والتيارات السياسية، ولا نعلم: لماذا حدث ذلك، ومن يقف خلفه؟ وهل هناك علاقة بوجود اللواء ممدوح شاهين والمستشار بجاتو بجوار الرئيس بذلك؟ والمثير للتساؤل والدهشة هو: لماذا الإصرار على وجود كليهما فى المشهد الآن رغم ما قيل عن دورهم فى المرحلة السابقة.
والسؤال الكاشف هو: لماذا لم يتشاور الرئيس المؤقت فى ذلك قبل الإعلان مع كافة القوى السياسية والمجتمعية، أم أن بذرة الاستبداد والديكتاتورية تعيش فى كل واحد فينا؟
والمتابع لتشكيل الوزارة يتبين له فقر الفكر وبؤس الخيال، حيث لا يعلم أحد هل يتم الاختبار على أساس تحليل ورؤية للمرحلة وطبيعتها، وكذلك طبيعة المشكلات التى تعيشها مصر الآن، حيث لم يقدم أحد تلك الرؤية، لا المرشح رئيسا للوزراء ولا المعتذرون عن الرئاسة ولاحتى جبهة الإنقاذ، تلك الجبهة التى تعيش منذ ولادتها حالة من الموت السريرى، ولا حتى حركة تمرد الشبابية. لذلك لم نفهم على أى اساس يتم الترشيح والاختيار سوى شعارات من قبيل الكفاءه. وهو شعار وحده لا يكفى حيث لا بد من الكفاءه القادرة على الفعل فى مرحلة معينة لها سماتها ومشكلاتها وسبل الخروج منها.
وحتى نقترب أكثر من فهم أهمية تحليل المرحلة التى تمر بها الموجة الثانية من الثورة هو سماعنا شعار المصالحة الوطنية، فهو مطروح من المسؤولين، سواء الرئيس المؤقت أو رئيس الوزراء المرشح، ولا نعلم موقع ذلك من الصراع القائم بين قوى الثورة والقوى المضاده للثورة، قوى الثورة التى تريد أن تكمل ثورتها فى الحرية والخبز والعداله الاجتماعية والكرامة الإنسانية والاستقلال الوطنى وبين قوى مضاده للثورة تلتحف بالدين، وتمارس الرجعية الفكرية والتبعية السياسية للغرب الاستعمارى، وتعمل للحفاظ على السلطة بكافة السبل، العنيف منها والسياسى، ولعل المواجهات التى استهدفت بعض مواقع القوات المسلحة وبعض المواقع فى سيناء- تكشف لنا مدى تورط تلك الجماعات اللا إسلامية فى إهدار دم المصريين، كما تكشف عن العلاقات الرابطة بين جماعة الإسلام السياسى فى مصر وجماعات الإسلام فى كل من فلسطين وتركيا وقطر وليبيا وتونس وسوريا، كما تتكشف لنا علاقة ذلك بالاستراتيجية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، التى تبتغى بنا شرق أوسط كبيرا، تكون فيه تركيا و«إسرائيل» هما المهيمنتين والمؤثرتين فى المنطقة، وكذلك المواجهان للدور الإيرانى الرافض للهيمنة الأمريكية.
كما أن السماح لحزب النور السلفى بالفيتو على ترشيحات رئيس الوزراء يكشف مدى التخبط فى قراءة المرحلة من الجميع، ثم أخيرا نوع الاختيارات ودوائر الاختيار تكشف أيضا عن عدم تواصل تلك النخب مع مفهوم الثورة ولا مع الثوار ولا حتى مع دوائر أكثر اتساعا من خبراء الدولة المصرية، بعيدا عن دوائر المعرفية الشخصية.