لعل أهم أسس الصراع فى الديمقراطيات المتمدينة الأحزاب السياسية. فالأحزاب هى الوسيلة التى ارتضاها الجميع كآلية للتنافس بين المواطنين، وقد أصبحت هذه التنظيمات إرثاً عالمياً. وقد جاء كل ذلك عوضًا عن تقسيم المجتمعات على أسس أولية أى على أساس ثقافى أو قومى أو دينى أو طائفى. هنا تصبح تلك الانقسامات الأخيرة من المحرمات، لأنها تنسف المجتمعات وتدخلها فى حروب أهلية.
ومما لا شك فيه أن على رأس الانقسامات المنبوذة التنافس بين المواطنين على أساس دينى. هنا لا يمكن السكوت على تأسيس أحزاب «دينية» أو حتى على أساس كلمة «المرجعيات الدينية». بعبارة أخرى، إن ما يريد أن يشترك فى العملية السياسية لا يجب عليه أن يرفع أى مرجعيات أولية ومن باب أولى دينية. فتلك الأخيرة أساسها الدعوة، ومن ثم مقرها المساجد. وبالتالى فعلى كل رافعى شعار الدين أو المرجعيات الدينية أو ما أصبح يسمى الإسلام السياسى، أن يختاروا بين العمل الدعوى والعمل السياسى المدنى.
وبطبيعة الحال، فإن رفض المرجعيات الدينية فى العمل السياسى ينهى المنافسة السياسية من الجولة الأولى لصالح من يرفع تلك الشعارات. بمعنى آخر إن رافع شعار الإسلام السياسى يخرس رافع الشعار المدنى فى دقيقة واحدة لمجرد رفع الأول شعار «الإسلام هو الحل أو الشريعة هى الحل».
من ناحية أخرى، فإن الاعتماد على المرجعيات الدينية فى العمل السياسى هو مهانة للدين نفسه. فالشعب المصرى شعب بسيط، ومن السهل إغواؤه بالدين إبان الانتخابات. هنا ماذا سيقول هذا الرجل المنتمى لهذا الشعب عندما يفشل الحزب ذو المرجعية الدينية فى تنفيذ برنامجه بعد فوزه فى الانتخابات، ووصوله لسدة الحكم. المؤكد سيقول إن الدين فشل، وبالتالى عرض هؤلاء الدين للمهانة.
من هنا نقول بحتمية تعديل قانون الأحزاب السياسية حتى لا تتأسس أحزاب ذات مرجعيات دينية، وأن يطلب من الأحزاب السياسية القائمة أن توفق أوضاعها لإلغاء هذه النصوص فى برامجها وسلوكها، أو لتحل نفسها، وتعد للعمل الدعوى إذا ما أصرت على تسييس الدين. هنا سيكون علينا إلغاء كلمة «الذراع السياسية» لحزب كذا أو كذا. وعلى الأرض سنكون مطالبين بإلغاء أو إعادة توفيق أوضاع الحرية والعدالة والبناء والتنمية والوسط وغيرها. ومن ثم فإن الرئيس غير مطالب بدعوة جماعات الإسلام السياسى للمصالحة أو إشراكهم فى إعداد الدستور الجديد أو الوزارة، بل مطلوب منه دعوة هؤلاء كأشخاص ورموز إن أرادوا ذلك.