أمس، تعرضت للمشروع النقدى والمالى للإصلاح الاقتصادى باقتضاب ولأكرر مرة أخرى أن الهدف من هذا الخطاب المفتوح هو:
- عدم الاعتماد على مشاريع لا تصلح «للنخبة».
- عدم تكرار أخطاء فبراير 2011.
- عدم العودة إلى نقطة «الصفر» مرة أخرى لأنها ستكون مأساوية.
- عنصر الوقت ليس فى صالحنا.
1. حقنة عدالة اجتماعية... ولا للحد الأقصى للأجور لأنه إهدار للمال العام!
إن عدم العدالة فى توزيع الدخل واضح وضوح الشمس، وإذا كنا نطلب من الوطن «التقشف» و«ربط الحزام» فإن الطبقة التى عليها تحمل الجزء الأكبر من التكلفة فيما هو قادم هى الطبقة القادرة وليس الطبقات المطحونة، وهذا لم يحدث بعد، وفى هذا السياق فإنى أقترح:
1- رفع الحد الأدنى للأجور إلى 900- 1000 جنيه شهرياً.
2- رفع الحد الأدنى للمعاشات إلى 450 جنيهاً شهرياً.
3- دفع بدل بطالة فى حدود 200 - 300 جنيه شهرياً إلى حوالى 8 ملايين عاطل.
4- دفع بدل تضخم فى حدود 150 - 200 جنيه شهرياً إلى حوالى 12 مليون أسرة.
إن تكلفة ما سبق ستكون فى حدود 100- 120 مليار جنيه سنوياً، والهدف من هذه الجرعة هو أن تتحمل الطبقات الدنيا فى المجتمع موجة التضخم وارتفاع الأسعار، كما أن معالجة ثورة الجوع تكون بتحسين الأوضاع الاقتصادية وليس بالحلول الأمنية فقط.
وقبل أن نتكلم عن حد أقصى للأجور يجب أن نتساءل عما إذا كنا نريد ملكية عامة للدولة فى بعض الشركات والهيئات الاقتصادية أم لا؟ فإذا كانت الإجابة بأن الدولة يجب أن تمتلك عدة شركات أو صندوقا سياديا أوهيئات كقناة السويس مثلاً فكيف نأتمن إدارة أصول للبلد بمئات المليارات على أفراد ليسوا الأفضل فى مجالاتهم لأن فرصة العمل فى القطاع الخاص أو خارج مصر أفضل لهم من الناحية المالية؟! إن تطبيق الحد الأقصى للأجور يعنى ببساطة إهداراً للمال العام لعدم قيام أفضل عناصر مصر خبرة بإدارة شركاتها. مع الأسف، نحن نبدو كوطن «حافظ مش فاهم» نُغلّب «الشكل على المضمون».
2. ضريبة على الثروة والسيدة المحجبة!
لا يوجد تناقض بين مجتمع أسواقه تعمل بشفافية وحرية مع عدالة اجتماعية.. لا يوجد تناقض بين مجتمع يُولِد قادرين على أن يدفعوا التزاماتهم للمجتمع لأنه حق وليس صدقة.. لأنهم جزء من نسيج وطن ولا يجب أن يتحولوا- أو يتاح لهم أن يكونوا- شركاء فى مشروع اقتصادى يستطيعون التخارج منه، (هذا لا يختلف عن سيدة محجبة تؤمن بالله ورسوله وتستمع للموسيقى وتعشق الفن، لا تناقض، الإيمان بالله لا يتناقض مع حب الحياة كما أن تحقيق عوائد مالية للفرد دون فساد لا يتناقض مع العدالة الاجتماعية).
لقد تحدثت فى ذلك مراراً بما فى ذلك محاضرتان فى جامعة «أكسفورد» البريطانية و«هارفارد» الأمريكية، وفى عدة مقالات دولية ومحلية منذ أكثر من عامين ومُلخص ما أطالب به هو تطبيق ضريبة ولمرة واحدة على الثروة «ضريبة (ميدان التحرير)» بنسبة 10 - 25% لكل من تزيد ثروته على 10 ملايين دولار- الحصيلة 5 - 15 مليار دولار. إن ثروات كبيرة فى مصر تم تكوينها دون فساد، لكن بسبب طبيعة تكوينها لم تدخل الأرباح والتوزيعات على الأسهم فى الوعاء الضريبى. وفى تقديرى- مع العلم بأنه لا توجد قاعدة بيانات واضحة فى هذا الشأن- فإن أغنياء مصر لم يدفعوا أكثر من 1 إلى 2% من دخلهم السنوى الإجمالى فى حين تدفع الطبقة المتوسطة 20-25%. إن الهدف من هذه الضريبة بجانب الحصيلة هو إرساء مبدأ العدالة وحماية نسيج المجتمع، حيث إن 99.9% من المصريين لن تنطبق عليهم هذه الضريبة، أليس هذا أفضل من الاقتراض؟
وقد يرى البعض أن تطبيق ضريبة ولمرة واحدة يخلق سابقة خطيرة، أو أنه حل راديكالى أكثر من اللازم أو يبدو كأننا نطبق بأثر رجعى، ولذلك فمن الممكن تطوير هذه الفكرة لتصبح 2- 3% سنوياً (شبيهة بالزكاة) تطبق بنفس الطريقة السابقة، وفى هذه الحالة نحصل على ضريبة سنوية متكررة وعائدها على المدى الطويل أكبر من تطبيقها لمرة واحدة. وفى هذا الصدد يجب أن يتم تطبيق ضرائب على أرباح وتوزيعات البورصة. أرجو ألا يتعلل أحد بصعوبة التنفيذ لأنه بنفس المنطق ما كانت «30/6» لتنجح.
3. وقف الهدر فى قطاع النفط والغاز المسمى دعماً.. 18/19 يناير 1977 مازالت فى الأذهان
يجب بيع الغالبية العظمى من المواد البترولية بالسعر العالمى (إن دولة ليست لديها احتياطيات نفطية كبيرة لا تستطيع أن تتعامل مع النفط والغاز بهذه الطريقة لأنها سلعة استراتيجية وحيوية وناضبة) على أن يستفيد من الدعم مستحقوه فى حدود 50 - 75 مليار جنيه عن طريق دعم قمح الخبز وأسطونات البوتاجاز وبعض وسائل النقل، الحصيلة (وفر): 150 مليار جنيه سنوياً. إن ما يحدث هو هدر وليس دعما؛ حيث إن كل الدراسات والدلائل تؤكد أن معظم هذا الهدر يستفيد منه الطبقات الأفضل حالاً فى المجتمع. وأؤكد هنا أن توفير بدل البطالة وبدل تضخم لـ80% من المجتمع سيجعلهم فى وضع أفضل حتى بعد الزيادة فى الأسعار، خاصة إذا تم توزيع الدعم فى شكل عينى (عن طريق بطاقات ذكية).
وينبغى أن أضيف هنا أن دعم الصناعة والسياحة لا يجب أن يكون فى شكل دعم للطاقة ولكن فى تحسين شبكة الطرق والمرافق، المطارات والموانئ، إلخ... كما أن دعم الزراعة يكون عن طريق وضع سياسات طويلة الأجل للمدخلات وأسعار بيع المحاصيل ليستطيع الفلاح أن ينظم إنتاجه.
والسؤال الذى يتبادر للأذهان هو: لماذا لم تقم حكومات متتالية فى آخر 10 سنوات بمعالجة هذا الاختلال؟ الكل كان خائفاً لأن أحداث 18 و19 يناير 1977 ما زالت تمثل عقدة لأجيال كثيرة لأنه فى ذلك اليوم تم رفع الدعم فثارت الناس؛ لأن الحكومة لم توفر لمستحقى الدعم أى غطاء لمواجهة ارتفاع الأسعار. السؤال لا يجب أن يكون: هل الأسعار سترتفع أم لا؟ ولكن: هل الطبقات المعنية كلها أصبحت أفضل حالا بسبب بدل التضخم وبدل البطالة بعد رفع الأسعار أم لا؟
4. الاقتراض من صندوق النقد.. ودائع قطر (بالأمس) أو السعودية (اليوم).. يعنى «شُـكك» ولكن ماذا عن سعر الفائدة على الجنيه؟
هناك فرق جوهرى بين الاقتراض لتمويل مشروعات، وهو أمر محبذ، والاقتراض لتغطية خسائر، وهو أمر غير حميد، وإذا كان الاقتراض لاعتبارات السيولة النقدية فأرجو أن يرافق ذلك خطة للتحول من الخسائر إلى الأرباح. فالدين مذلة بالنهار وهمّ بالليل! وفى هذا السياق أريد أن أؤكد أن قرض صندوق النقد الدولى أو ودائع قطر أو ليبيا فى النهاية قروض.. ديون، كما أن الصكوك الإسلامية أيضاً دين ولكن بتغليف دينى! لقد «حرقنا» أكثر من 50 مليار دولار فى عامين ونصف العام، وبعد أن نفد الرصيد نذهب إلى دين وراء دين، فمتى تنتهى هذه الحلقة المفرغة؟
إن الدين الحكومى سيكلفنا مليار جنيه فى كل يوم عمل فى شكل فائدة فقط، ناهيك عن الأقساط! كما أن الدين الأجنبى شاملاً الهيئات الاقتصادية تعدى 50 مليار دولار، أى أنه فى عامين، لم نحرق فقط 40 مليار دولار من الاحتياطى (المعلن وغير المعلن) ولكن أضفنا مديونية على البلد بحوالى 500 مليار جنيه و10 مليارات دولار، سأكرر ما أقوله بعبارة أخرى: عجزنا فى عامين هو حوالى 50 مليار دولار من العملة الأجنبية و500 مليار جنيه فى شكل «شُكك» على الحكومة، (أليس هذا هو العبث؟).
وجزء من المشكلة هو أن سعر الفائدة على الجنيه هو حوالى 13- 14%. فإذا خُفضت الفائدة إلى 7% وفرت الدولة 100 - 120 مليار جنيه سنوياً، والسؤال هنا هو: كيف نستطيع خلال 6 - 12 شهراً أن نُخفض سعر الفائدة على الجنيه مع العلم أن بقاءه فى الزمن القصير مرتفعا ضرورى لمواجهة التضخم والحفاظ بقدر المستطاع على قيمة الجنيه المصرى. إننا نستطيع الوصول لهذا الهدف إذا خلقنا المناخ الصحى، وطبقنا هذه الحزمة المتكاملة من السياسات وتسلحنا بالعلم والإرادة وبعض الخيال.
5. دعم الدول العربية... نعم ولكن!
يجب اعتماد خطة مالية حقيقية ومتناسقة وتقديمها إلى الدول العربية للحصول على الدعم.. يجب أن نذهب إلى العالم العربى لنطلب، مرة واحدة، دعم الخطة والميزانية.. هناك فرق بين التسول كل شهر والدعم فى ظل خطة لتقدم مصر. إن المبلغ المطلوب يجب أن يكون فى حدود 50 مليار دولار من العالم العربى وعلى الأقل 25 مليار دولار من الغرب وآسيا، إن «الشحنات» و«الودائع» ليست حلاً، لكنها مخدر لن يدوم طويلاً مع عرفان وتقدير كل مصرى لما تقوم به بعض البلدان العربية لمساعدة مصر. أود أن أشير هنا إلى أن الدعم الحقيقى هو المنح، أو «الشُحنات»، أو المشاريع. أما الدعم «الناعم» فهو الودائع، ولى تساؤل هنا وهو: هل تستطيع مصر الدولة، فى هذه اللحظة، أن تعادى «قناة الجزيرة» بطريقة حقيقية مثلاً فى ظل وجود ودائع قطرية بـ8 مليارات دولار؟! مع الأسف.. إن «القرار السياسى» قد يكون محدود الحركة بسبب «ضرورات اللحظة».
6. إنشاء صندوق سيادى لجمهورية مصر العربية
الاقتراح هنا هو إنشاء صندوق سيادى يجمع جميع شركات القطاع العام، والهيئات الاقتصادية الحكومية وجميع أراضى الدولة تحت مظلة واحدة، على أن يدار من مجموعة من أفضل الكوادر المالية والصناعية والتجارية، لأن من سنأتمنهم على إدارة صندوق سيادى قيمته مئات المليارات من الأصول يجب أن يكونوا على الكفاءة والنزاهة المطلوبة لتحمل هذه المسؤولية. كل هذه الموارد المتاحة فى هذا البلد، «عبقرية المكان»... كيف لا نستطيع أن نستغل موارده؟ إن وزير الكهرباء، مثلا، لا يجب أن يكون مسؤولا عن ملكية شركات الكهرباء ولكن عن السياسة العامة للكهرباء.
7. دور الدولة وإعلاء دولة القانون.. ولا للتصالح مع الفاسد
إن أى بلد فى العالم النامى لم يتقدم إلى الأمام اقتصادياً إلا باستثمارات خارجية.. من الصين إلى البرازيل مروراً بالهند وجنوب أفريقيا وتركيا.. والسبب فى ذلك ليس تقليلاً من شأن الاستثمار المحلى ولكن، ببساطة، إن حجم المدخرات المحلية لا يكفى لتحقيق النمو المطلوب لنقل البلد من العالم الثالث إلى الثانى.هذه الفجوة يجب تغطيتها- فى حالتنا- عن طريق استثمارات عربية وأجنبية (وبالطبع بجانب ما هو متاح محلياً لأنه إذا لم يستثمر المصريون فى بلدهم لا يمكن أن يقتنع غير المصريين). إن قدرتنا على جذب الاستثمارات فى الوقت الحالى غير متوفرة، والحديث عنها عبث ولكن يجب وضع البنية التحتية لتسهيل جذب الاستثمار فى بداية مرحلة ما بعد الانتقالية. ما يمنع جذب الاستثمار بخلاف الوضع السياسى هو غياب القانون والتنكيل بالمستثمرين والتشهير بهم وتغيير القواعد والسياسات بشكل عشوائى والإجراءات الروتينية والبيروقراطية، وفى هذا السياق فإن جذب الاستثمار لمصر يتطلب:
أ. أن تحدد الدولة سياسات طويلة الأجل تتعلق بالضرائب وأسعار الطاقة وحقوق العمال والزراعة (نوعية المحاصيل والعوائد المرتبطة بها).. إلخ.
ب. القيام بعدة مشروعات قومية كتنمية محور قناة السويس، إعادة بناء جميع عشوائيات مصر بكود بناء موحد، وحل مشكلة أطفال الشوارع بشكل تنموى، وإعادة النظر بشكل كامل فى الخريطة الزراعية وكذلك معالجة انتشار الفشل الكبدى (فيروس سى) لـ10% من المواطنين، إلخ.. (ملاحظة: نستطيع أن نتفق على عناوين للمشروعات ولكن نختلف من «الباء إلى الياء» فيما يتعلق بحقيقة وتفاصيل هذه المشروعات- نتفق فقط على العنوان: «الألف»! فالموضوع ليس العنوان ولكن تفاصيله).
ج. إيجاد طريقة قانونية للتعامل مع البلاغات الكاذبة؛ بحيث يعاقب مقدم البلاغ فى حالة الكذب، حيث إن كثيرا من البلاغات المقدمة والتغطية الإعلامية المرتبطة بها يؤثران بشكل سلبى على المناخ الاستثمارى فى مصر.
د. إصدار قانون يحمى موظفى الدولة من الأخطاء الناشئة عن سوء التقدير حتى تحرر الأيادى المشلولة والمرتعشة لأنه لا يُعقل أن كل موظف فى الدولة خائف وبحق أن يوقع على ورقة. لست دارساً للقانون ولكن يجب حماية الأخطاء التقديرية لأنها يجب أن تحدث وإلا لن يتخذ أى قرار خوفاً من الخطأ كما حدث فى آخر عامين.
هـ. إعلاء دولة القانون.. وفى هذا السياق أود أن أقول إننى لست من مؤيدى التصالح مع فاسد على أن تكون التحقيقات والاتهامات والإدانات مرتبطة بالوقائع والحقائق، وليس بأمور أخرى، وإذا قرر الوطن التصالح فيجب وضع إطار قانونى وقواعد لعمليات التصالح حماية للوطن وللمفاوض الحكومى.
الخاتمة.. العنف...فساد العقل.. المستقبل
الشعب الذى يريد تغيير النظام، يريد تغيير طريقة عقيمة فى التفكير (أسميها فساد العقل) الموضوع ليس موضوع يسار أو يمين، أصالة أو معاصرة، إسلامى أو مدنى،... ولكن هو احترام لعقول الناس.. عقول بشر.. احترام لنبض وضمير أمة. إن الطفل المحروم والمهمش الذى يمر أمام سيارة ويأخذ قطعة حجر من الأرض ليخدش السيارة قد أخطأ قانونياً، ولكن من منطلق اجتماعى يعبر عن عدم العدالة والحرمان، الأمر يبدو لى مختلفاً.
إن الطبيعة الإنسانية ليست عنيفة بطبيعتها، العنف يتولد عندما لا تتلاقى التطلعات والآمال مع الواقع وعندما تُغتال الأحلام، ودون تحسن الأوضاع الاقتصادية بعملية جراحية متكاملة فإن المستقبل الاقتصادى متوسط الأجل شديد الخطورة.
فى النهاية أود أن أؤكد أنه بالرغم من «تجريف» و«تسطيح» الأرض، سيبقى للأرض كبرياؤها.. سيأتى يوما- إن شأءالله قريبا- تستعيد «ريادتها».