
وعن قناعة تامة، جاء له الهاجس بضرورة تواصل الأجيال وتكملة مشوار والده الذي تربى ونمت مداركه وهو صغير، كان يرى والده يعتلي المأذنة ليدعو المصلين لأداء صلواتهم خلال شهر رمضان الكريم.
رحل الأب ولم ترحل معه طقوسه وعاداته، مسك الراية ابنه الوحيد محمد عبد الوهاب، فلم ينجب والده من زوجته سوى هو وبنتان، أخذ عبد الوهاب رغم شهرته وذياع صيته يذهب يوميا خلال شهر رمضان إلى مسجد "سيدي الشعراني" بحي باب الشعرية، يعتلي مأذنته ليدعو الناس إلى الصلاة طوال هذا الشهر الفضيل، استمر ذلك لفترة طويلة تجاوزت الـ30 عاما.
كان عبد الوهاب يفعل هذا عن اقتناع راسخ بأهمية هذا العمل الجليل وتأثيره على جمع وحشد المسلمين حول كلمة واحدة وراية الدين الإسلامي الحنيف، ولم تنقطع هذه العادة عند الموسيقار والفنان الذي طالت سمعته أرجاء المعمورة، فرغم الشهرة والمجد وكثرة المعارف وتعدد العلاقات المصرية والعالمية، إلا أنه كان يترك منزله في هذا الحي الراقي ويلجأ دائما إلى الحي الذي تربى وترعرع فيه، كان حريصا وحتى آخر أيامه على أن يذهب ليؤدي صلاة الفجر في هذا المسجد في أيام شهر رمضان.
يذكر أن عبد الوهاب ولد بحي باب الشعرية عام 1902 درس في الكتاب ولكنه أهمل الدراسة وارتاد الموالد والأفراح ليغني لشيوخ الطرب، عاقبته أسرته، عمل مع فوزي الجزيري، صاحب فرقة مسرحية بالحسين مغنيا باسم مستعار وهو محمد البغدادي، عثرت عليه أسرته ثم هرب مجددا وعمل بسيرك بمدينة دمنهور، وسرعان ما طرد منه عائدا إلى أسرته التي وافقت على عمله في الغنا.
رحل عبد الوهاب في مساء يوم 4 مايو عام 91 على أثر جلطة كبرى وجسيمة بالمخ نتيجة سقوطه الحاد على أرضية منزله بعد انزلاقه المفاجئ من سجاد الأرضية، وشيعت جنازته في يوم 5 مايو في جنازة عسكرية مهيبة، وذلك بناء على قرار الرئيس مبارك، بعد أن أثرى الحياة الموسيقية بأعماله التي مازالت حية في وجدان الشعب المصري والعربي.