مع أول ليلة سحور وأنا قابع أمام الشاشة أمسك بالريموت أنتقل من مسلسل تجذبنى حالته الفنية مثل «موجة حارة» و«بدون ذكر أسماء» و«ذات» و«نيران صديقة» و«آسيا» و«فرعون» إلى مسلسل أشاهده بحكم المهنة التى تقتضى أن أتحمل السيئ طالما قررت أن أكتب عنه مثل «مزاج الخير» و«الشك» و«القاصرات» و«العقرب» و«الزوجة الثانية» و«العراف» و«حكاية حياة».. وهناك مسلسلات تقف على الخط الفاصل فى تلك المرحلة الرمادية عندما تفوتك حلقة تقول بركة يا جامع مثل «الركين» و«فرح ليلى» وما ينطبق على المسلسلات يتكرر فى البرامج، التى وجد بعضها الفرصة مواتية فى هذه المرحلة الضبابية لكى يعيد زمن مبارك، واعتبروا أن الثورة كانت نكسة مثل سماح أنور وبرنامجها «هى الحالة إيه»، أشعر أن هذه هى البداية لمعركة فضائية قادمة تلوح فى الأفق للانتقام من كل من يمت بصلة لثورة 25 يناير.
والأمر ليس عشوائيا ولكنه مدبر، وما نراه الآن فى عدد من البرامج هو طبول الحرب تمهيدا لدخول الدراما العام القادم بكل ثقلها فى رمضان 2014.يجب ملاحظة أن الانطباعات الأولى ليست بالضرورة هى الانطباعات الأخيرة، قد يخذلنا مسلسل كان واعدا فى البداية، السمة المشتركة فى أغلب المسلسلات هى أن هناك جرأة فى استخدام الألفاظ، لا أميل إلى تلك المحاكمات الأخلاقية، حيث نجد البعض يمسك الآلة الحاسبة ويبدأ فى الرصد ليحدد بالضبط كم عدد الكلمات واللقطات التى يعتبرها خارجة، لقد أعجبنى مثلا هذا التنويه الذى أشار إليه صانعو مسلسل «موجة حارة» عندما تصدر المسلسل «أنه مقدم للمرحلة العمرية بعد 18 عاما»
كما أن بعض حلقات من مسلسل «القاصرات» كتب عليها تحذير، وإن كان اختيار المخرج مجدى أبو عميرة صاحب الباع الطويل فى الأعمال الدرامية لشخصية مريض بالرغبة فى الزواج من الأطفال تبدو فيها الجرعة متجاوزة المنطق والقدرة حتى على تواصل المشاهدة، الجرأة فى الألفاظ انعكاس منطقى لتغيير القاموس اليومى فى التعامل، العالم الافتراضى فى شبكة التواصل الاجتماعى كسر العديد مما كان يعد من «التابوهات» اللفظية التى باتت تستخدم الآن وبكثرة فى لغة التخاطب اليومى بدون أى إحساس بالدهشة، 80% من كتاب الدراما لأغلب المسلسلات الرمضانية هم من شباب جيل الروشنة ومن البديهى أن تُصبح هذه هى مفرداتهم.
البرامج هذا العام تحتل المرتبة الثانية فى القدرة على الجذب، لم أجد بينها الجديد فى الفكرة، ولكن لا شك أن محمود عزب فى «الوش التانى» يبذل جهدا ملحوظا فى استحضار الشخصيات، وسعد الصغير يقدم حالة فى برنامجه «المولد» تعيد تلك الثنائية التى جمعته فى العديد من الأفلام مع الراقصة دينا، ونيشان فى «أنا والعسل» يتحرك بقوة دفع العام الماضى، بينما هالة سرحان فى «هالة شو» تكتفى بأن تستضيف يوميا هالة سرحان.
تبقى الأسئلة عن ظاهرة زيادة مساحة الحرية فى انتقاد الإخوان دراميا وبرامجيا، أكثر من فضائية وعدد من الزملاء سألنى: هل النظام الذى حكمنا لمدة عام كان ديمقراطيا بدليل سماحه بهذا الكم من الانتقاد؟
الحقيقة أنه كان نظاما ضعيفا لا يملك تحمل تبعات قرار المصادرة، كان يتمنى، ولكنه لم يستطع، مبارك على مدى 30 عاما كانت لديه سلطة على «الميديا» كلها، وإذا كانت بعض الفضائيات الخاصة فى السنوات الأخيرة من حكمه تتناول مثلا قضية التوريث فى سؤال لنجم أو مسؤول إلا أنها كانت تضمن مسبقا أن أغلب الإجابات سوف تصب لصالح دعم مشروع التوريث.
ثورة 25 يناير أنهت من القاموس تماما قدسية الحاكم، الحرية لم يمنحها النظام للشعب، ولكن انتزعها الناس، كتاب الدراما ومقدمى البرامج استشعروا أن هناك خطرا يعيشونه، لم يتصور أحد أن الإخوان سوف يتركون الحكم بعد ثورة 30 يونيو، ولكن كان لديهم يقين بأن لا بديل عن مقاومة الإخوان بالدراما والبرنامج، لو عرضت هذه الأعمال التليفزيونية والإخوان على قمة السلطة لكان لها مردود أكبر، فلا بطولة فى انتقاد نظام تداعى جماهيريا قبل أن يموت إكلينيكيا.. ويبقى الفصل القادم من المعركة الفضائية بعد نهاية زمن الإخوان، وهذه المرة أراها أشد شراسة، أنها مع «المباركيين الجدد»، يريدون الانتقام من ثورة 25 يناير، وترقبوها، لأنها سوف تحتل، فى ما يبدو، قريبا المشهد كله!!