أما على المستوى التقنى، فلم تمر الدراما بأى مرحلة خلال القرن الماضى سوى «التلوين»، أما مع بداية الألفية الجديدة والهجرة الجماعية لنجوم التمثيل والإخراج للشاشة الفضية مع نهاية جيل سينمائى كامل، وتبعته هجرة شبابية بحثًا عن المضمون -المادة لا المحتوى- أن يتطور شكل الصورة على الشاشة من خلال قدرات إخراجية وإمكانيات سينمائية.
لكن بقيت الدراما سجينة شكلها الطبيعى باختلاف التفاصيل من مبدع لآخر حسب حجم إبداعه، إلا أن هذا العام يشهد مسلسلًا جديدًا يعتبر انقلابًا دراميًّا للدراما ذاتها، وهو مسلسل «نيران صديقة» للكاتب محمد أمين راضى، وللمخرج خالد مرعى، حيث يعيد كاتب السيناريو تغيير المفردات الثابتة لسيناريو المسلسل العربى من خلال إيقاع لاهث وقصة تخلط الواقع بالفانتازيا ومزج مبهر بين الحاضر و«الفلاش باك»، لتخرج كل حلقة وكأنها فيلم سينمائى قائم بذاته.
بل ويبدو مؤلف المسلسل حريصًا أيضًا على التوثيق لأحداث مصر الأهم منذ عام 86 وحتى الألفية الجديدة، وهو ما بدا واضحًا فى «أحداث الأمن المركزى» عام 86، واعتقد أنه سيمر على زلزال 92 وحادثة الأقصر وهكذا، دون أن يربك المشاهد الذى عايش تلك الأحداث من خلال وجودها فى خلفية الحدث الرئيسى.
لكن يبقى التمثيل حتى الآن النقطة الأقل فى مسلسل «نيران صديقة»، وتلك مسؤولية المخرج الموهوب خالد مرعى، والتى أظن أنه سيتم تلافيها فى الحلقات القادمة، فليس ضروريًّا أن يدرك الممثل دائمًا أنه يقدم مسلسلًا مشوقًا يعتمد على المفاجأة، ولكن هذا لا يعيب هذا المسلسل الذى قرر صانعوه أيضًا أن يحتفوا بالفنان عمرو دياب خلال أغنية فى كل حلقة تجعلنا نعيش حالة من النوستالجيا.
مسلسل «نيران صديقة» ليس مجرد مسلسل جيد فى الموسم الرمضانى المزدحم، بل شهادة ميلاد جديدة للدراما التليفزيونية التى تترنح تحت مقصلة النجم الواحد والطاقم الذى لا يعمل إلا معه، والشكل المتعارف عليه للدراما، ومنهج «السبوبة» الدرامية التى لا تبقى فى سجل الفنان.