قلقى شديد من الأسلوب الذى تدار به الأمور هذه الأيام بعد الموقف الشعبى المصرى الذى زلزل الأرض تحت جماعة الحكم السابقة وأثار جدلاً عظيماً فى مختلف أنحاء العالم حول مفهوم ما شهدته وتشهده مصر. قلقى يتوزع فى اتجاهات متعددة ولا يتسع مقال مهما طال بتناولها تفصيلاً، ولا يمكن أيضاً الانتظار لموعد كل مقال لتناول أحد عناصر القلق، لذا سأتوقف سريعاً أمام بعض هذه المخاوف داعياً لإدارة حوار حولها محذراً مما أعتقده مكمن خطر.
- أعلم أن هناك ضغوطاً جبارة على صانع القرار السياسى فى مصر، ضغوطاً داخلية وضغوطاً خارجية، لكن ينبغى أن يكون الصالح العام وصوت الشعب هو المحرك الرئيسى للأحداث وهدف القرارات. من هذا المنطلق أظن أنه كان هناك قدر من العجلة فى الالتزام ببرنامج زمنى شديد القصر للوصول إلى مرحلة الاستقرار السياسى من خلال الدستور والقوانين المنظمة والانتخابات البرلمانية والرئاسية. ينبغى أن نلاحظ أن المصريين عاشوا ما يتجاوز عامين ونصف العام من الإجهاد السياسى تركزت أسوأ فتراته طوال حكم الإخوان. والآن عندما نبدأ عملية سياسية جديدة تبدأ منذ اللحظة وتستمر على الأقل عاما آخر فإننا بالفعل نعقد من الجو النفسى المحيط ونزيد من قدر الضغوط، ناهيك عن انعدام الفرصة للكيانات السياسية الجديدة التى أفرزتها المرحلة لترتب أوضاعها بسبب ضيق الوقت. وهو الأمر الذى سوف يؤدى إلى اكتساح القوى السياسية التقليدية للمشهد السياسى المقبل بحكم خبرتها ووجودها على الساحة. وعندما أتحدث عن القوى التقليدية فإننى أضع قوى الإسلام السياسى بما فيها جماعة الإخوان. لذلك لن يكون مفاجئاً أن نجد هؤلاء فى صدارة المشهد السياسى مرة أخرى.
- قلق من أسلوب التشكيل الوزارى، مصر ليست فى حاجة إلى الدخول فى هذه المرحلة فى دائرة المحاصصة وتقسيم الغنائم، لذا كنت أرى من البداية الإعلان المباشر عن حكومة طوارئ تدير شؤون البلاد من التكنوقراط، أى حكومة خبراء عدد وزرائها محدود، دورها ينحصر فى إدارة الأزمة التى تمر بها مصر. لكن ما حدث عن تضارب وحوار وتضاغط حول تسمية رئيس الوزراء، وتدخل كل القوى السياسية المؤثرة ومن تدعى التأثير فى عملية الموافقة أو الاعتراض كان خطأً كبيراً.
- ارتباطاً بالتخوف السابق ألاحظ أن الهم الرئيسى الذى ينبغى أن نتوقف أمامه ونعمل على حله هو الأزمة الاقتصادية، وهذه الأزمة لن تحل إلا بتحرك سريع نحو إعادة عجلة الإنتاج للدوران والبدء فى اتخاذ إجراءات لبناء الثقة مرة أخرى مع الاستثمار والمستثمرين. لن تحل الأزمة دعوات دعم مصر، المهمة، ولا وقوف الأشقاء لدعمنا، وهى مسألة مهمة أيضاً، لكن الطريق الوحيد هو عودة الإنتاج والاستثمار. وهذا يرتبط بحكومة طوارئ قوية من الخبراء المتخصصين ليبعثوا الثقة.
- قلقى كبير من غياب الوسائل والطرق الصحيحة للتعامل مع الخارج. غضبنا غضباً عظيماً، وهو غضب مبرر، عندما وصف إعلام الغرب ثورة المصريين المدعومة بجيشها بأنها انقلاب. ولكن ماذا فعلنا؟ وقفنا نصرخ غاضبين نعلن رفضنا لموقف الغرب وتنافسنا فى التنديد بالموقف غير المتفهم لحقيقة ما حدث، لكن نسينا فى زحمة الغضب أن نتوجه بالحديث للمستهدفين وظللنا نتحدث فى بعضنا البعض، حتى تلك المؤسسات أو الأشخاص المكلفون بالتواصل انشغلوا بالانتشار الإعلامى المحلى ونسوا أن يتحدثوا للآخرين. المبدأ الرئيسى الحاكم هو أن نتحدث للآخر باللغة التى يفهمها وبالمنطق الذى يقتنع به ووفقاً لنسق القيم الحاكمة فى هذه المجتمعات. هؤلاء يريدون أن يسمعوا إلى لغة يفهمونها ومنطق يتوافق مع تكوينهم، وأنا مؤمن أننا فى هذه المرحلة نمتلك أقوى قضية وأقوى منطق ولكننا لا نملك من يعبر عنها. إنها إرادة شعب تمتلك الشرعية وتتحصن بالقانون، فقط نريد أن نقول ذلك للعالم.
- الجماعة وحلفاؤها يخطئون خطأً تاريخياً بما يفعلون الآن، التغيير أصبح واقعاً وما يقدمون على فعله لن يؤدى إلا إلى تعميق الفجوة بينهم وبين بقية نسيج مصر، سوف يصبحون جماعة فى مواجهة أمة، وهذا خطر عظيم عليهم وعلى مستقبل القبول بهم بين المصريين.
- أتفهم مشاعر الغضب بسبب تورط بعض العرب من الفلسطينيين والسوريين مع الإخوان وحلفائهم فى عمليات عنف أو الإعداد لعمليات إرهابية، لكن ذلك لا يجب أن يجعلنا نعمم الموقف على كل الفلسطينيين والسوريين، مصر كانت وستظل داعمة للعرب، كل العرب. لهذا ينبغى العمل على وقف الحملات ضد الفلسطينيين والسوريين على العموم وإنما تحديد المتورط منهم وهم معروفون. لكن العلاقات الشعبية بين مصر وكل الشعوب العربية فوق التشكيك.
- لا يملك شخص أو جماعة أو حزب أن يدعى أنه حرك المصريين أو يمتلك قدرة على فعل ذلك، جميعنا شهد وعرف أن الشعب كان أكثر تطوراً فى فهمه وتقدماً من كل من ادعى قيادته، لذلك فإن ثورة الشعب فى يونيو يملكها الشعب كله ولا يملك أحد أو جماعة الادعاء بأنهم يملكون الحق المطلق فى التعبير عن رغبات الشعب أو أنهم يمتلكون الحق فى أن يدعوا أنهم ممثلوه. هذه الصورة ينبغى تصحيحها وعدم الخضوع لابتزاز. لا يملك أحد أو جماعة حق الاعتراض المطلق أو شرط الموافقة، وإلا كانوا جميعاً يجرمون نفس جرم من قرر أن يدمر نفسه ومعه الوطن.