لست مستريحًا لما يجرى على الساحة من لحظة البيان الأول للقوات المسلحة الذى تضمن إنذار الجميع بـ48 ساعة، وإلا فإنه سيضطر إلى طرح خارطة المستقبل، بل أصبحت أكثر قلقًا بعد الإعلان الدستورى الذى تضمن مواد جيدة ومواد سيئة ولكن الأهم فيه أنه يعيد مشهد ما بعد 11 فبراير 2011، حيث يبدأ بالتعديلات على دستور ساقط هو دستور الإخوان، فيقر هذا الدستور ويضفى عليه الشرعية التى يفتقدها، بدلا من الإعلان الواضح عن سقوطه والبدء فورًا فى إعداد دستور جديد للبلاد من خلال هيئة تأسيسية. كما أننى أصبحت قلقًا من استمرار نفس النهج ونمط التفكير فى التعامل مع ما حدث فى 30 يونيو 2013 مثلما تم مع ما حدث فى 25 يناير 2011، فالشخصيات المرفوضة شعبيا لأنها ضيعت على مصر وشعبها وثورتها وشهدائها عامين ونصف بلا جدوى، يتم استحضارهم فى المشهد مثل المستشار بجاتو الذى انتهى به الأمر أن يكون وزيرًا إخوانيا وكان فخورًا بذلك، وكذلك اللواء ممدوح شاهين، فى نفس الوقت يتم تعيين مستشار سياسى خريج هندسة، كأن تخصص العلوم السياسية منعدم فى مصر! كما يتم تعيين مستشار إعلامى أو صحفى من نفايات نظام مبارك المخلوع الأول، حيث هو الذى كتب الصيغة الأولى -وباعترافه- لخطاب مبارك الذى ألقاه فى الأول من فبراير 2011، ومستشار صحفى لأحمد زويل الذى لا يعترف بالقانون ولا الأحكام القضائية وتعاون مع الإخوان وسمى مشروعه «النهضة» ونسبه إليهم! كأن الرسالة التى يراد إرسالها هى أن ما بعد (30/6) هو استدعاء لنظام مبارك بكل أسف!
فالناس ثارت ضد نظام مبارك حتى خلعته فى 11 فبراير 2011، وعندما اختطفت الثورة بفعل الصفقات والمؤامرات، ثار الشعب المصرى مرة أخرى لعزل المختطفين «مرسى وجماعة الإخوان» فى 30 يونيو، فالمنطقى إذن هو أن يتم استبعاد المنتسبين لنظامى مبارك ومرسى والإخوان، وأن يستدعى ممن ينتمون للثورة قلبًا وقالبًا ولم يسبق لأحدهم أن تعامل أو تورط مع هذين النظامين المعزولين على طريق التغيير السياسى الحقيقى، أما أن يتم الأمر بهذه البساطة الممجوجة كأن الشعب فقد ذاكرته، فتلك استهانة غير مقبولة على الإطلاق، بل إنه ستتم مقاومة ذلك كأن الثورة لم تقم. والناس تتساءل لماذا يتم ذلك الذى يحدث؟! ماذا يجرى فى الدهاليز؟! من هم المستشارون لهذه المرحلة الانتقالية؟! ما دور الشباب فى المشهد هل مجرد التعبير أم المشاركة؟! هل يكتفى برموز «تمرد» الثلاثة مع الفرع الأمريكى فى «6 أبريل» ليكونوا غطاءً للمرحلة وتجاهل رموز شبابية عديدة؟!
وإذا تأملنا مشهد تشكيل الحكومة، فإن الرئىس المكلف وهو د.حازم الببلاوى «77 سنة + يمينى رأسمالى- كان يتوق لانتخاب جمال مبارك- غير ثورى- فشل فى المالية»! ويسعى فى التشكيل للإتيان بنائب له هو زياد بهاء الدين، «أحد أذرع لجنة السياسات ومحمود محيى الدين وزير الصكوك الشعبية، وكان رئىس هيئة الاستثمار ثم رئىس هيئة الرقابة على الأوراق المالية وانظروا كم كان يتقاضى؟!»، وكذلك الإتيان بوزير داخلية سابق كنائب آخر له دون إعطاء فرصة لقيادات أمنية جديدة برتبة أحدث اللواءات أو أقدم العمداء كانعكاس لتطهير حقيقى فى الداخلية!
ويروج بأن وزير الداخلية الحالى سيستمر! ونسينا أنه المسؤول الأول عن قتل «50» مواطنا فى بورسعيد وغيرها من حوادث قتل أخرى، وصل عددهم فى عهد مرسى إلى «154»، وفى تقديرات أخرى «300» شخص! أين الثورة إذن فى التشكيل الوزارى؟! فضلا عن «الڤيتو» الممنوح لحزب النور المتأسلم الذى يستوجب الحل مع عشرة أحزاب أخرى لها مرجعية دينية قولا وعملا وبرنامجا، وهى أساس ارتباك المشهد السياسى مع انتهازية وأنانية «الإخوان المجرمون»، لكى يعترض على كل شىء! حتى استحضار السيدة سكينة فؤاد فى المشهد كأن النساء الثوريات بلا وزن، ورغم أنها شخصية وطنية أقدرها، فإن المواءمة على خلفية خدمتها فى بلاط مرسى تحرمها من استكمال العمل فى المشهد الثورى.
لقد طرحنا تشكيلا للحكومة «رئىس + 18 وزارة» مدروسا مع خبراء مصريين دوليين، وسلمناه لرئىس الدولة المؤقت، ومن أسف فإن الأمور تسير فى طريق إنتاج نظام مهجن بين رموز من نظام مبارك مع رموز إخوانية وسلفية، أو تنتمى إليهما، مع عدد من الانتهازيين، كأن مصر معدومة الكفاءات الوطنية رغم أنهم بلا حصر، لكنها المأساة التى نعيشها للمرة الثانية. ستظل الثورة مستمرة حتى النصر بإذن الله، وما زال الحوار متصلاً.