سأل مراسل أجنبى سؤالا مباشرا:
■ هل نجحت ثورة ٣٠ يونيو؟
- أجبت: قطعت نصف الطريق إلى النجاح، وأتصور أنه النصف الأسهل.
■ سأل: هل هذا نوع من الحذر أم عدم تفاؤل؟
- قلت: الثورة مجرد فسخ عقد مع نظام سابق بكل ما فيه من سلطة وإدارة، هدم لكيان كان آيلا للسقوط، وباءت كل محاولات ترميمه بالفشل، لكنها لا تعنى بالضرورة بناء كيان حديث بالمواصفات المطلوبة من تلقاء نفسها، وإذا لم يستكمل المجتمع ثورته حتى إتمام بناء هذا الكيان فقد ينحرف البناء إلى نظام مشوه، وقد يكون استنساخا من النظام القديم بكل مثالبه وخطاياه، كما حدث بعد ثورة ٢٥ يناير.
■ فقال: لكنكم لم تعطوا الدكتور محمد مرسى فرصة حقيقية للحكم وإظهار قدراته؟
- قلت: هذه عبارة خاطئة مئة فى المئة، المصريون أعطوا محمد مرسى فرصة لم يحلم بها، لكنه هو الذى خذل نفسه هذه، وظل يقوضها بإصرار غريب منذ اليوم الخامس لتوليه السلطة، فالرجل ما كاد يدخل إلى القصر الجمهورى حتى بدأ حنثه باليمين الذى أقسم عليه، فأعاد مجلس الشعب الباطل دستوريا، ضاربا بحكم المحكمة الدستورية عرض الحائط، فصنع شقاقا حوله، وتساؤلات عن ولائه ما بين الدولة، مصر، والجماعة، الإخوان، وتهاون فى مقتل ١٦ جنديا مصريا فى سيناء تهاونا مقصودا يجرمه القانون، ثم اغتصب لنفسه حق إصدار إعلانات دستورية تتيح له الانفراد الكامل بالسلطة، وتجعله فوق القانون، وحاصرت جماعته المحكمة الدستورية تحت رعايته، وقد يكون هو أول رئيس فى الكون يفعل ذلك، وفى النهاية شغل نفسه بقضايا تهم الجماعة وتمكينها من الدولة ولم ينشغل بمواطنيه ومشكلاتهم فتعقدت حياة المصريين.
باختصار هو الذى هدم شرعيته الدستورية قبل أن يخرج عليه الشعب ويسحبها منه فعليا!
■ قال: لكنه حاول العلاج فى خطابه الأخير قبل العزل.
- قلت: هذا دليل إضافى على عدم صلاحيته بالمرة لإدارة البلاد، فالأزمة الحالية عمرها ما يقرب من ثمانية أشهر، واختار لها حلولا غبية وغير عملية، وتركها تتضخم وتنقلب إلى إعصار يبتلعه، فكيف يثق المصريون فى رئيس فشل فشلا متكاملا فى أزمة تطارده بقوة مع أن حلها كان ميسورا؟!
■ قال المراسل: إذن الطريق ممهد لبناء نظام جديد؟
- أجبته: ما زالت المشكلات كبيرة، وأهمها جماعة الإخوان نفسها، حزب النور، ثم النخبة السياسية القديمة.
■ سأل: ماذا تعنى؟!
- قلت: الجماعة لم تستوعب حتى هذه اللحظة، لم تستوعب ما حدث، والأخطر أنها لا تصدقه، وهذا صنع خللا رهيبا فى مراكز الفهم واتخاذ القرارات عند قياداتها وأعضائها، وقد تحاورت مع بعضهم وهم مقتنعون إلى درجة اليقين، بأن ما حدث هو مؤامرة من القوات المسلحة وبقايا نظام مبارك وشباب ثورى مغرر به، وقد أغلقوا عقولهم على هذا الاقتناع بالضبة والمفتاح.. كل هذا لا يهم، وهم فعلا فى حاجة إلى مصحّة نفسية، يقضون فيها بعض الوقت لعبور صدمة فقدان السلطة، لكن الأخطر هو العنف الذى يهددوننا به، فقواعد الإخوان أقرب إلى الإنسان الآلى تتحكم فيه القيادات بالريموت كنترول، والقيادات أعلنت الحرب علينا: جيشا وشعبا، والأسلحة متوفرة والتصعيد دائم.
ثانيا: حزب النور.. ويحاول الآن أن يحل محل الجماعة ويجلس على عرشها، ويريد أن يتحكم فى المرحلة الانتقالية، ويلعب دور «الشوكة» فى زور الثورة، مستغلا نفس الألاعيب القديمة بالضغط على مشاعر الناس الدينية، وهو له ثقل نسبى فى الشارع، أتصور أن الدولة تبالغ فى تقديره، وقد عطل تشكيل الحكومة فأخذت وقتا أطول مما كان متوقعا، وسوف يخوض حربا ضدنا للحفاظ على الدستور المعطل، وسوف يمارس كل أنواع الضغوط والعرقلة لمنعنا من صناعة دستور جديد، واختصار تعديلات الدستور المعطل فى أضيق الحدود، مع أن به على الأقل عشرين مادة مفخخة يجب تفكيكها، ليس منها على الإطلاق المادة الثانية المتعلقة بمبادئ الشريعة الإسلامية، دون أى إضافات تفتح علينا أبواب جهنم فى الجدل الفقهى.
ما أخشاه أن تدخلنا هذه الجماعات إلى صراعات جانبية تلهينا عن الأهم، وهو الاقتصاد والتنمية وحياة المصريين وتحسين مستوى معيشتهم بشكل حقيقى وفعال.
ثالثا: النخب القديمة وقد تجاوزتها الأحداث والأفكار والأجيال الجديدة، وقد تلعب دورا معرقلا دون أن تقصد، ويا حبذا لو أخذت مساحات أقل من المشهد، وأعطت للصفين الثانى والثالث فى تياراتهم وأحزابهم السياسية فرص القيادة.
باختصار الوقت لا يزال مبكرا، فلا إفراط فى الفرحة.