لا يحق للدكتور مرسى أن يحتمى بالشرعية بعد أن فقد السلطة، لأنه لم يحم هذه الشرعية وهو صاحب السلطة، بل اعتدى عليها وانتهك حرمتها. اعتدى على الشرعية بعد إعلان فوزه بأيام معدودة حين دعا مجلس الشعب إلى الانعقاد بالمخالفة لحكم قضائى بات قضى ببطلان هذا المجلس من يوم انتخابه! اعتدى على الشرعية عندما اغتصب سلطة إصدار إعلانات دستورية بالمخالفة للدستور الذى أقسم على احترامه! اعتدى على الشرعية حينما حصن قراراته من الرقابة القضائية! اعتدى على الشرعية عندما داس بأقدامه على استقلال القضاء واستقراره! اعتدى على الشرعية عندما عرض على الشعب فى استفتاء عام مشروع دستور وضعته جمعية تأسيسية باطلة، انتخبها مجلس شعب حكم فعلا ببطلانه من يوم انتخابه! اعتدى على الشرعية عندما رفض الاستجابة لمطالبة الملايين بانتخابات رئاسية مبكرة!
مجمل القول أن الرئيس لم يمتنع عن انتهاك الشرعية تلبية لرغبة إخوانه، بل انصياعًا لشهوتهم فى السيطرة تمهيدًا لإقامة دولتهم. ولو ترفق الدكتور مرسى بالشرعية ولو تمهل إخوانه بعض الشىء، ربما أمهلهم الشعب قليلا، ولم يهرع إلى إسقاطهم بهذه السرعة، وقبل أن يفرغوا من إقامة أقواس النصر.
إلا أنَّ تلك الملايين التى استجابت لدعوة التمرد ونزلت إلى الشارع بطول البلاد وعرضها لم تسقط نظام الإخوان المسلمين فحسب، إنَّ هذا الطوفان البشرى الذى ملأ الوادى جنوبه وشماله قدَّم الدليل القاطع على أنَّ المشروع السياسى للإخوان لا يناسب طبيعة الشعب المصرى ولا طباعه. إنَّ الزخم السياسى لهذه الأحداث يجب ألا يحول دون إدراكنا للمعنى التاريخى لما حدث. إنَّ تلك الملايين التى لم يسبق لها مثيل لم تعبر فقط عن موقف سياسى رافض لمشروع استبداد جديد، وإنما عبرت أساسًا عن قدرة مجتمع عريق على حماية نفسه فى مواجهة محاولة تهجين تهدد كيانه الوطنى وتراثه الممتد، ومالى لا أقول محاولة فرض تجربة تخالف الطبيعة الوسطية والطابع السمح للمجتمع المصرى.
لم يكن يوم 30 يونيو تعبيرًا عن إرادة شعب، بقدر ما كان تعبيرًا عن طبيعة هذا الشعب. وعلى كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية أن تعيد حساباتها على هذا الأساس.
لقد استطاعت مصر مرة أخرى عبر تاريخها الطويل أن تفتح الطريق إلى المستقبل لنفسها وللمنطقة بأسرها. مرة أخرى، فرضت مصر نفسها على التاريخ بعد أن ظن البعض أنها خرجت منه إلى غير رجعة. وعلينا جميعًا وعلى شبابنا أن نكون على قدر المسؤولية.