قبل أن يتخذ الكابتن ميمى الشربينى مقعده خلف الميكروفون سبقه أربع عتاولة، محمد لطيف وسلاحه كان خفة دم وبداهة ابن البلد المصرى الذى خلط يوما بين إسماعيل يوسف وربيع يس فقال: «وماشى بيها إسماعيل يس.. ماشى إسماعيل يس» ثم انتبه فضحك وحوّل الخطأ إلى حالة من الونس عندما حكى للناس كيف كان إسماعيل يس زملكاويا متعصبا، وعلى زيوار وكان سلاحه الكوميديا السوداء على طريقة نجيب الريحانى، حيث يدفعك إلى الضحك فى عز صرامته (يوما ما كان مصطفى عبده يجرى بالكرة من ناحية اليمين كعادته ثم شاط كرة لم يفهم أحد قصده منها، فقال زيوار محتدا «لو كان مصطفى قاصد يرفعها وقلشت معلش.
لكن لو كان قصده يشوط من هنا يبقى ماعندوش فكرة»)، وإبراهيم الجوينى وسلاحه الفصاحة والوقار، فكان متخصصا فى المباريات الحساسة التى تحتاج إلى أكبر قدر ممكن من الحياد، وحسين مدكور وكان سلاحه الحماس والحس الوطنى، لذلك كانوا يسندون إليه التعليق على ماتشات المنتخب بصفة خاصة.
كان ميمى الشربينى مضطرا إلى البحث عن مدخل جديد للمهنة، فكان رهانه على الرومانسية، واختار أن لا يخاطب عقل المشاهد أو حماسه أو ثقافته الكروية، بل مشاعره، راهن على لغة الشعر فى وصف مباراة لكرة القدم فخرج المزيج ساحرا.
وأصبحت مصطلحاته الأدبية مدرسة التحق بها كثيرون، لكن أحدا منهم لم يقدم مصطلحا جديدا وظلوا يحومون حول مصطلحات الناظر «مواليد منطقة الجزاء»، و«آخر عنقود الموهوبين»، و«90 دقيقة أشغال شاقة كروية»، و«عطل ما أصاب ماكينة التهديف»، و«ارتداء قفاز الإجادة»، و«أحد حملة أختام الفرحة»، و«قدم أوراقه لمملكة النجومية مبكرا»، و«كلمة الافتتاح ونهاية دراماتيكية للمباراة»، و«ياسر المحمدى يقفز فوق أسوار أحزانه ويسجل»، و«بركات جواهرجى خط الوسط»، يظل المشاهد طوال الماتش فى انتظار تألق صنايعى التعليق حتى يلخص ما تنقله الصورة فى جملة تعيش أبدا، دون أن يخل ذلك بسخريته التى تظهر فى الوقت المناسب «وجون.. مجدى عبد الغنى 28 سنة ليسانس آداب وعازب».
كان الشربينى نابغة فى مراهقته، حصل على التوجيهية قبل أن يتم عامه الخامس عشر وهى معجزة بمقاييس هذا الوقت، ثم التحق بكلية التجارة لكنه قضى فيها اثنى عشر عاما، أخلص للكرة فنسى مستقبله الدراسى، إخلاصه هذا تمت ترجمته فى الحصول على لقب من مدير عام ألقاب لاعبى الكرة فى مصر الراحل نجيب المستكاوى، كان حلم أى لاعب أن يمنحه المستكاوى هذه الشهادة التى منحها لقليلين، فأسمى صالح سليم «المايسترو»، ومحمود الجوهرى «الدينامو»، ورفعت الفناجيلى «المهندس»، وطه إسماعيل «الشيخ» لأنه -على حد تعبير الشربينى- كان الوحيد اللى بيصلى فيهم فى هذا الوقت.
ثم حدث أن تم تصعيد أشبال الأهلى فقاد الشربينى فريقا به الخطيب وبقية أبناء جيله، فأطلق عليه المستكاوى لقب «الألفة»، وكان خير ألفة لفريق حصد به أكثر من بطولة قبل أن يعتزل.
يقول صنايعى التعليق عن المهنة إن التعليق مثل الغناء بالضبط، أهم حاجة فى المعلق «خامة صوته»، إذا صلحت أمكن علاج أى عيوب أخرى، يتحدث بتحفظ عن المعلقين الجدد، لكنه لا ينكر ثمة موهبة فيهم، لكن عندما يأتى الحديث عن الأفضل يقول بلا تردد: «أُفضل الاستماع إلى محمود بكر».
أما بكر فهو المفضل بالنسبة إلى معظمنا مؤخرا رغم وجوده على الساحة منذ زمن، ولكن ربما أحد أسباب انطلاقه فى السنوات الأخيرة كان غياب الشربينى النسبى عن الساحة، ارتاح بكر فى ما يبدو من تشويش المقارنة بينه وبين الكابتن ميمى فانطلق على سجيته يمتعنا حتى وهو يشكو من مواعيد قطارات سيدى جابر.
أما غياب الشربينى فجزء منه سببه أنه كان يفضل العمل مع تليفزيون الدولة، فكان نتيجة ذلك أن ضاعت عليه مستحقات عامين، فأصبح يلبى النداء فقط فى المباريات التى يراها هو مهمة.
يندهش البعض من غياب الشربينى عن ورش استوديوهات التحليل، لكنى أثق أنه لا يريد أن يشارك آخرين جلسة يعيد الكلام فيها نفسه ويسرقه كل واحد من على لسان الآخر، بينما الأضواء مقسمة على الحاضرين بعشوائية، هذا الرجل لا يؤمن إلا بالعزف المنفرد، تماما كشاعر موهوب.